للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسُ مَالِهِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى مَا بَاعَا لِأَنَّهُمَا إذَا بَاعَا بِرِبْحِ عَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِ رَأْسِ الْمَالِ بِصِفَتِهِ، وَإِذَا بَاعَاهُ مُرَابَحَةً بِمَالٍ مُسَمًّى، فَالرِّبْحُ مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيُقَسَّمُ عَلَى قِيمَةِ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. بَيَانُ هَذَا فِيمَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، نَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَالرِّبْحُ الْغَلَّةُ، وَلَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ عَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، فَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ كَأَصْلِ الثَّمَنِ. وَبِهَذَا الْفَصْلِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ التَّأْوِيلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّعْنِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَوْمَ يَقْتَسِمَانِ، فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الثَّمَنُ دُونَ الرِّبْحِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي تَخَايَلَ لِي بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي تَصْحِيحِ جَوَابِ الْكِتَابِ أَنَّهُ بُنِيَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدِ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ثَبَتَتْ عِنْدَ خَلْطِ الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا إلَّا أَنَّ الْخَلْطَ إذَا كَانَ فِي أَصْلِ رَأْسِ الْمَالِ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَخِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الِاخْتِلَاطِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. فَأَمَّا الْخَلْطُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَى. وَالْمُشْتَرَى مُخْتَلَطٌ بَيْنَهُمَا - سَوَاءٌ اتَّفَقَ جِنْسُ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ اخْتَلَفَ - فَكَانَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ عَقْدٍ، وَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَدَّاهُ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ. فَلِهَذَا قَالَ: يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَوْمَ يَقْتَسِمَانِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْعَقْدِ لَا تَثْبُتُ بِالْعُرُوضِ بِحَالٍ، وَلَا يَكُونُ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِثْلِ عَرَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةَ عَرَضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الشِّرَاءِ.

قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى رَجُلًا دَنَانِيرَ مُضَارَبَةً فَعَمِلَ بِهَا، ثُمَّ أَرَادَا الْقِسْمَةَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَنَانِيرَ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ)؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ، وَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ كَمَالِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي إظْهَارِ الرِّبْحِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ رَأْسِ الْمَالِ فِي وَقْتِ الْقِسْمَةِ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَ فَصْلَ الْمُضَارَبَةِ لِإِيضَاحِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرِكَةِ. قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: يَأْخُذُ قِيمَتَهَا يَوْمَ أَعْطَاهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ الْمُخَالِفُ قَبْلَ الْمُخَالَفِ) زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَقْدِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ مَا أَعْطَى مِنْ مَالِهِ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقْتَ الْإِعْطَاءِ.

وَفِي النَّوَادِرِ: لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهُ رِبْحَهَا، وَعَلَيْهِ الْوَضِيعَةَ، فَهَلَكَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَالْقَابِضُ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ مُقْرِضُ الْمَالِ مِنْهُ حِينَ شَرَطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>