هَذَا أَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِيرَاثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ {: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ.} [النساء: ١٢] اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. فَلَمَّا قَالَ هُنَا: أَشْرَكْتُك فِيهِ. فَمَعْنَاهُ سَوِيَّتك بِنَفْسِي، وَذَلِكَ تَمْلِيكٌ لِلنِّصْفِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْرَكَ رَجُلَيْنِ فِيهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُ سَوَّاهُمَا بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
قَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا فَأَشْرَكَا فِيهِ رَجُلًا، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ نِصْفَهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ رُبْعَهُ)؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ تَمْلِيكٌ بِطَرِيقِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَنْ أَشْرَكَ؛ عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اشْتَرَى بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -: أَشْرِكْنِي فِيهِ، فَقَالَ: قَدْ أَعْتَقْته». فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّ الْإِشْرَاكَ تَمْلِيكٌ حَتَّى امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِعْتَاقِ. وَمُقْتَضَى لَفْظِ الْإِشْرَاكِ التَّسْوِيَةُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ مُمَلِّكًا نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْهُ حِينَ سِوَاهُ بِنَفْسِهِ فِي نَصِيبِهِ فَيُجْمَعُ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ، وَيَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُهُ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَكُونُ لَهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَشْرَكَاهُ فَقَدْ سَوَّيَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا فَيَقْتَضِي هَذَا اللَّفْظُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْعَبْدِ. وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا صَارَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ مِنْ جِهَة كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَيَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ. يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُمَا حِينَ أَشْرَكَاهُ فَقَدْ جَعَلَاهُ كَالْمُشْتَرِي لِلْعَبْدِ مَعَهُمَا كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَشْرَكَهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فِي نَصِيبِهِ وَنَصِيبِ صَاحِبِهِ، فَأَجَازَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ: كَانَ لِلرَّجُلِ نِصْفُهُ، وَلِلشَّرِيكَيْنِ نِصْفُهُ)؛ لِأَنَّ إشْرَاكَهُ فِي نَصِيبِهِ نَفَذَ فِي الْحَالِ، وَفِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَوَقُّفٌ عَلَى إجَازَةِ الشَّرِيكِ. وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ يَصِيرُ الشَّرِيكُ مُشْرَكًا لَهُ فِي نَصِيبِهِ. فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَشْرَكَهُ فِي نَصِيبِهِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ.
(وَرَوَى) ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا الْعَبْدِ، فَأَجَازَ شَرِيكُهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ أَشْرَكَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَانَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُجِيزَ صَارَ رَاضِيًا بِالسَّبَبِ لَا مُبَاشِرًا لَهُ. وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ يُسْنَدُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا أَشْرَكَاهُ مَعًا، فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. قَالَ:
(وَكَذَلِكَ إنْ أَشْرَكَهُ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ، وَلَمْ يُسَمِّ فِي كَمْ أَشْرَكَهُ، ثُمَّ أَشْرَكَهُ الْآخَرُ أَيْضًا فِي نَصِيبِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِوَاهُ بِنَفْسِهِ فِي نَصِيبِهِ فِي عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، فَيَصِيرُ مُمَلَّكًا نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْهُ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ، كَانَ مُمَلَّكًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute