بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَدْ أَشْرَكْتُك بِنِصْفِ هَذَا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ وَاحِدًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ: قَدْ أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَشْرَكْتُك بِنِصْفِهِ - بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُك فِي نَصِيبِي -؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُمَلَّكًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ بِإِقَامَةِ حَرْفٍ فِي مَقَامِ حَرْفِ الْبَاءِ. فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُك بِنَصِيبِي، كَانَ بَاطِلًا؛ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ.
قَالَ: (رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا، لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهُ الْكُلَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ التَّوْلِيَةِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَلِكَ إذَا مَلَّكَهُ الْبَعْضَ بِالْإِشْرَاكِ. فَإِنْ أَشْرَكَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا أَشْرَكَهُ فِيهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَلَّاهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ بَائِعٌ، وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ لَوْ قَبَضَ نِصْفَ الْعَبْدِ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرَهُ.
(وَالْجَوَابُ): أَنَّهُ يَصِحُّ إشْرَاكُهُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ. (فَإِنْ قِيلَ): كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إشْرَاكُهُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي قَبَضَهُ خَاصَّةً تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً. (قُلْنَا): الْإِشْرَاكُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا انْصَرَفَ إشْرَاكُهُ إلَى الْكُلِّ. ثُمَّ يَصِحُّ فِي الْمَقْبُوضِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ لِانْعِدَامِ شَرْطِهِ. فَأَمَّا إذَا انْصَرَفَ إلَى تَمْلِيكِ الْمَقْبُوضِ خَاصَّةً، لَا يَكُونُ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا، وَتَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ يَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخَالِفُ الْمَلْفُوظَ. فَفِي تَعْيِينِ الْمَقْبُوضِ هُنَا مُخَالَفَةُ الْمَلْفُوظِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ، فَلَيْسَ فِي تَعْيِينِ نَصِيبِهِ هُنَاكَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ مُخَالَفَةُ الْمَلْفُوظِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ فِي عَبْدٍ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَاهُ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَيُّنَا اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ فَقَدْ أَشْرَكَ فِيهِ صَاحِبَهُ، أَوْ قَالَ: فَصَاحِبُهُ فِيهِ شَرِيكٌ لَهُ. فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُوَكِّلًا لِصَاحِبِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُ. فَأَيُّهُمَا اشْتَرَاهُ كَانَ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ؛ بِوَكَالَتِهِ. فَإِذَا قَبَضَهُ فَذَلِكَ كَقَبْضِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ إلَى الْعَاقِدِ. ثُمَّ يَدُ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّل، مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ، حَتَّى إذَا مَاتَ كَانَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا. (فَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا، أَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ قَبْلَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ اشْتَرَى صَاحِبُهُ النِّصْفَ الْبَاقِي: كَانَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُمَا إنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا فَقَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ فَقَدْ صَارَ مُشْتَرِيًا نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute