للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ السَّبَبَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْحُكْمِ وَالسَّبَبِ جَمِيعًا بِالشَّهَادَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ، أَوْ بِالشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ يَعْتَبِرُونَ بِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِبْهَامِ.

قَالَ: (فَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ عَيْنًا فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَهُ خَاصَّةً، وَهَبَهُ شَرِيكُهُ مِنْهُ حِصَّتَهُ فِيهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ) وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَدِلُّ بِهَذَا عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ هُنَا بَيِّنَتَهُ مَقْبُولَةٌ - سَوَاءٌ فَسَّرَ شُهُودُ الْمُدَّعِي بِشَهَادَتِهِمْ أَوْ لَمْ يُفَسِّرُوا -. ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ إبْطَالُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْعَيْنِ بَلْ فِيهَا تَقْرِيرُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ مَعَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ هُنَاكَ إبْطَالُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْقَضَاءُ. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِي وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، أَوْ أَنَّ رَجُلًا آخَرَ وَهَبَهُ مِنْهُ؛ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا. فَكَذَلِكَ فِي الْمُفَاوَضَةِ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُهُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ لَهُ بِالْمُفَاوَضَةِ وَقَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ ادَّعَى عَبْدًا مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ مِيرَاثٌ لَهُ، أَوْ وَهَبَهُ مِنْ فُلَانٍ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ؛ قُبِلَ ذَلِكَ وَقُضِيَ لَهُ بِالْعَبْدِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ. وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا): أَنَّ ذَا الْيَدِ هُنَا مُقِرٌّ بِالْمُفَاوَضَةِ مُدَّعٍ الْمِيرَاثَ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمَا كَانَ يَسْتَحْلِفُ خَصْمَهُ، وَفِي الْأَوَّلِ ذُو الْيَدِ جَاحِدٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِحُجَّةِ صَاحِبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمِيرَاثَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ خَصْمَهُ، فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْمُنْكِرُ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا؛ فَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ.

(وَالثَّانِي) أَنَّ الْإِقْرَارَ مُوجِبٌ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ بِدُونِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنْ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَأَمَّا الْبَيِّنَةُ لَا تُوجِبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ فَلِهَذَا لَا يَقْبَلُ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدَيْهِمَا جَمِيعًا، وَهُمَا مُقِرَّانِ بِالْمُفَاوَضَةِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَهُ مِيرَاثٌ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اُسْتُحْلِفَ صَاحِبُهُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>