وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: هَذَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجِدُ التَّاجِرُ مِنْهُ بُدًّا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ يَدْعُو الْمُجَاهِدِينَ إلَى طَعَامِهِ، وَيُهْدِي إلَيْهِمْ الْمَطْعُومَ لِيَجْتَمِعُوا عِنْدَهُ، وَالْمَأْذُونُ غَيْرُ مَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَاجِرٌ، وَالْمُفَاوَضُ تَاجِرٌ مَالِكٌ لِنِصْفِ الْمَالِ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى. وَذَكَرَ حَدِيثَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَهْدَيْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عَبْدٌ قَبْلَ أَنْ أُكَاتَبَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنِّي». وَحَدِيثُ الْأَخْرَسِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ دَعْوَةَ عَبْدٍ». وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: عَرَّسْت وَأَنَا عَبْدٌ فَدَعَوْت رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ - فَأَجَابُونِي.
قَالَ: (وَلَوْ كَسَا الْمُفَاوَضُ رَجُلًا ثَوْبًا، أَوْ وَهَبَ لَهُ دَابَّةً، أَوْ وَهَبَ لَهُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالْأَمْتِعَةَ، وَالْحُبُوبَ كُلَّهَا لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ فِي الْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، مِمَّا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ إهْدَاءُ ذَلِكَ إلَى الْمُجَاهِدِينَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَأَمَّا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْهِبَةُ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إلَى الْعُرْفِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً فَرَكِبَهَا الْمُسْتَعِيرُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكِبَهَا إلَيْهِ، وَقَدْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ فِي الْإِعَارَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَبَرِيءَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ ضَمَانِهَا) لِأَنَّ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا بِحُكْمِ الْمُفَاوَضَةِ كَإِقْرَارِهِمَا.
قَالَ: (وَلَوْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ، فَرَكِبَهَا شَرِيكُهُ فَعَطِبَتْ، فَهُمَا ضَامِنَانِ)؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الدَّابَّةِ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ، وَصَاحِبُهَا إنَّمَا رَضِيَ بِرُكُوبِ الْمُسْتَعِيرِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْآخَرُ فِي رُكُوبِهَا غَاصِبٌ ضَامِنٌ إذَا هَلَكَتْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِحُكْمِ الْغَصْبِ فَالْآخَرُ مُطَالَبٌ بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ رَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِمَا، فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِمَا لِأَنَّ مَنْفَعَةَ رُكُوبِهِ تَرْجِعُ إلَيْهِمَا فِيمَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ بِسَبَبِهِ يَكُونُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ. وَإِنْ رَكِبَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَهُمَا ضَامِنَانِ؛ لِمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُمَا إنْ أَذِنَاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى الرَّاكِبِ بِنَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ حَصَلَتْ لِلرَّاكِبِ، فَكَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ غَصْبٍ اغْتَصَبَهُ، أَوْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فَأَكَلَهُ، وَقَدْ أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَبَقِيَ الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا طَعَامًا لَهُ خَاصَّةً لِرِزْقِهِ إلَى مَقَامٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، أَوْ لِخَاصَّتِهِمَا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) مِنْ قِبَلِ أَنَّ التَّقْيِيدَ الَّذِي لَيْسَ بِمُفِيدٍ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا. وَالضَّرَرُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute