للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّابَّةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَمْلِ مَا عُيِّنَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مِثْلِهِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَمْلِ كَفِعْلِ صَاحِبِهِ. ثُمَّ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا طَعَامًا مِنْ شَرِكَتِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ، فَكَذَلِكَ شَرِيكُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً، فَبَعَثَ بِالدَّابَّةِ مَعَ وَكِيلٍ لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الطَّعَامَ، فَحَمَلَ الْوَكِيلُ طَعَامًا لِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُضَمِّنُهُ، فَالْمُفَاوَضَةُ أَوْجَبُ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَدْلَ زُطِّيٍّ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَدْلِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا طَيَالِسَةً أَوْ أَكْسِيَةً كَانَ ضَامِنًا؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلِلتَّفَاوُتِ فِي الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ. قَالَ: (وَلَوْ حَمَلَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ، فَكَذَلِكَ شَرِيكُهُ) إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ بِضَاعَة عِنْدَ الَّذِي حَمَلَ؛ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَ عَنْهُ غَاصِبٌ، وَالْآخَرُ عَنْهُ كَفِيلٌ ضَامِنٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى الَّذِي حَمَلَ بِنِصْفِ ذَلِكَ إذَا أَدَّيَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي هَذَا الْحَمْلِ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ قَرَارِ الضَّمَانِ شَيْءٌ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا؛ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ هَذَا أَخَفُّ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْحَامِلُ بِهِ مُخَالِفًا فِي حَقِّ صَاحِبِ الدَّابَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ أَوْ شَرِيكُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عَنَانٍ فَاسْتَعَارَهَا، فَالْجَوَابُ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً - رِزْقًا لِأَهْلِهِ - فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ شَعِيرًا لَهُ خَاصَّةً؛ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا، وَبِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الْمُسْتَعِيرِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَنْوِي عِنْدَ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّهُ يَسْتَعِيرُهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَعَدَّهُ رِزْقًا لِأَهْلِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ خَاصَّةً، وَذَلِكَ بِعَدَمِ رِضَاهُ بِانْتِفَاعِ الشَّرِيكِ بِهَا؛ فَلِهَذَا كَانَ ضَامِنًا.

قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَاعَهُ خَادِمًا، فَجَحَدَ ذَلِكَ الْمُتَفَاوِضَانِ؛ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ عَلَى الثَّبَاتِ وَشَرِيكَهُ عَلَى الْعِلْمِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي كَانَ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا إيَّاهُمَا، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِرَجَاءِ نُكُولِهِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الثَّبَاتِ، وَصَاحِبُهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَيَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْعِلْمِ. وَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ بِالْجَارِيَةِ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا مُلْزَمٌ إيَّاهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى تَوْلِيَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ إجَارَةً أَوْ تَسْلِيمَ دَيْنٍ أَوْ تَسْلِيمَ دَارٍ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ فِيمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>