شَرْطٌ، وَلِأَنَّ التَّذْكِيَةَ إنَّمَا تَكُونُ مُوجِبًا لِلْحِلِّ إذَا حَصَلَ مِنْ الْآدَمِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ آلَةِ الصَّيْدِ نَائِبًا عَنْ الْآدَمِيِّ لِيَحْصُلَ الْحِلُّ بِفِعْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِرْسَالِ، وَاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا لِتَحَقُّقِ الْإِرْسَالِ فِيهِ. (وَالرَّابِعُ) التَّسْمِيَةُ. (وَالْخَامِسُ) إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: ٤] وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ مُفِيدٌ لِلْوُجُوبِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْأَكْلِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ.
(وَالسَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مِمَّا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ، وَيَكُونُ مُمْتَنِعًا وَمُسْتَوْحِشًا. (وَالسَّابِعُ) أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ حَتَّى يَجِدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ، فَلَا يَدْرِي لَعَلَّ مَوْتَهُ كَانَ بِسَبَبٍ آخَرَ سِوَى جُرْحِ مَا أَرْسَلَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِ: كُلْ مَا أَمَمْتَ، وَدَعْ مَا أَيْمَنْتَ وَالْإِمَاءُ مَا رَأَيْتَهُ، وَالْإِيمَاءُ مَا غَابَ عَنْكَ، وَإِذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ، فَلَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَوْ تَبِعَهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا، وَقَدَرَ عَلَى ذَبْحِهِ فِي الْمَذْبَحِ، وَتَرْكُ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ لَعَلَّ وَعَسَى أَنْ لَا يَحِلَّ تَنَاوُلُهُ، وَإِلَيْهِ «أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُكَ فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمَكَ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: كَمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا أَرْسَلَهُ الصَّيَّادُ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا فَكَذَلِكَ فِيمَا يُرْمَى بِهِ، وَبِهَا الْكِتَابُ بِبَيَانِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خُرِقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ، وَإِذَا لَمْ يَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ، وَالْمِعْرَاضُ سَهْمٌ لَا نَصْلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ مُحَدَّدًا، وَقِيلَ: سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ فَرُبَّمَا يُصِيبُ السَّهْمُ عَرْضًا يَنْدَقُّ وَلَا يَخْرُجُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَجَرَحَ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلَا تَأْكُلْ» وَالْحَرَقُ هُوَ الْخَرَقُ إلَّا أَنَّ لَفْظَةَ الْحَرَقِ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا حَيَاةَ لَهُ، كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، وَلَفْظَةُ الْخَرَقِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ تَسْيِيلِ الدَّمِ النَّجِسِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ إذَا خُرِقَ، وَلَا يَحْصُلُ إذَا دُقَّ وَلَمْ يُخْرَقْ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمَوْقُوذَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَذُكِرَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كَانَتْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَيِّ نَعَامَةٌ فَضَرَبَهَا إنْسَانٌ فَوَقَذَهَا فَأَلْقَاهَا عَلَى كُنَاسَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَسَأَلْنَا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: ذَكُّوهَا وَكُلُوهَا، وَبِهِ نَقُولُ، فَإِنَّ الْمَوْقُوذَةَ إذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا جَازَ تَنَاوُلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وَلِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ، وَمِنْهُ دَلِيلُ إبَاحَةِ تَنَاوُلِ النَّعَامَةِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلْبِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَقَالَ: كُلْ، وَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute