لَا يَحِلُّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الشَّرْطُ مَا فِي وُسْعِهِ اتِّخَاذُهُ وَهُوَ الْإِرْسَالُ، فَأَمَّا التَّعْيِينُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَازِي، وَالْكَلْبَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا يُعِينُهُ، وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الصَّيُودَ كُلَّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَلْبِ فَقَصْدُهُ إلَى أَخْذِ كُلِّ صَيْدٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، وَعَلَامَةُ عِلْمِهِ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ، وَمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فَسَوَاءٌ أَخَذَ ذَلِكَ الصَّيْدُ أَوْ غَيْرُهُ حَلَّ. قَالَ: (فَإِنْ قَتَلَ وَاحِدًا وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ)؛ لِأَنَّ فَوْرَ الْإِرْسَالِ قَدْ انْقَطَعَ حِينَ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا فَقَدْ انْعَدَمَ إرْسَالُ صَاحِبِهِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ الثَّانِي، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحِلِّ. (فَإِنْ قِيلَ:) كَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُ نَاسِخًا لِإِرْسَالِ صَاحِبِهِ.؟ (قُلْنَا:) إنَّمَا جَثَمَ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ بِنَاءً عَلَى إرْسَالِ صَاحِبِهِ لِيَأْتِيَهُ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ مَنَعَهُ انْقَطَعَ بِهِ حُكْمُ الْإِرْسَالِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْعَجْمَاءِ مُعْتَبَرٌ فِي نَسْخِ حُكْمِ فِعْلِ الْآدَمِيِّ بِهِ، كَمَنْ أَرْسَلَ دَابَّةً فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَتْ سُنَنَ الْإِرْسَالِ، وَذَهَبَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَتْلَفَتْ مَالًا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَتْ عَلَى سَنَنِ الْإِرْسَالِ.
قَالَ: (وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَالصَّيْدُ حَيٌّ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْآلَةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ لَمْ يَحْمِلْ آلَةَ الذَّكَاةِ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدنَا. (وَقَالَ) الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ بَدَلٌ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ، وَهُنَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَبَقِيَ ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ مُوجِبًا لِلْحِلِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: ذَكَاةُ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي يَدِهِ حَيًّا، وَهَذَا قَدْ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَسَقَطَ اعْتِبَارٌ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ، وَأُلْحِقَ بِمَا كَانَ فِي يَدِهِ كَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ إذَا سَقَطَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ فِي الْمَذْبَحِ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ حَيًّا مَعَ الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ الْكَلْبُ، فَأَمَّا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ فَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَيًّا فَمَاتَ حَلَّ تَنَاوُلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِيهِ فِعْلُ الذَّكَاةِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي يَدِهِ، وَمَا بَقِيَ فِيهِ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ، فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ وَوَقَعَتْ فِي الْمَاءِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ لَمْ يَحْرُمْ بِذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute