للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ يُكْتَبَ عَلَى أَحْوَطِ الْوُجُوهِ فَيُتَحَرَّزُ فِيهِ مِنْ طَعْنِ كُلِّ طَاعِنٍ وَجَهْلِ كُلِّ جَاهِلٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ مَاتَ الْقَيِّمُ فِيهِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْمُوقِفُ يُقِيمُ فِيهِ مَنْ أَحَبَّ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَاقِفِ الرَّأْيَ لِنَفْسِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْوَقْفِ فَفِي نَصْبِ الْقَيِّمِ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ بِالْوَقْفِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ إعَادَةِ الْعَيْنِ الْأُولَى إلَى مِلْكِهِ.

وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَيِّمَ نَائِبٌ عَنْ الْوَاقِفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ لِيَعْمَلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَعَلَ مَنْفَعَتَهُمْ كَمَنْفَعَتِهِ فَاشْتِرَاطُ رَأْيِهِ فِي نَصْبِ قَيِّمٍ آخَرَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ يُحَقِّقُ الْمَقْصُودَ بِالْوَقْفِ، وَلَا يُغَيِّرُهُ قَالَ (فَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَوَصِيُّهُ بِمَنْزِلَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ نَصَّبَهُ لِيَكُونَ نَاظِرًا لَهُ مُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ، وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَيَكُونُ آذِنًا لَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَخْفَى عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ كَمَا خَفِيَ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يُجَوِّزُوا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا.

قَالَ (وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي)؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ عَنْ النَّظَرِ وَالْوَاقِفُ مَيِّتٌ وَمُصْرِفُ الْغَلَّةِ عَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ الْقَيِّمِ إلَى الْقَاضِي،

قَالَ (وَلَا يَجْعَلُ الْقَيِّمَ مِنْ الْأَجَانِبِ مَا وَجَدَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمُوقِفِ وَوَلَدِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ أَجْنَبِيًّا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَمَقْصُودُ الْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَوَلَدِهِ إمَّا لِيَكُونَ الْوَقْفُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ظَاهِرًا، أَوْ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ أَشْفَقُ عَلَى وَقْفِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُذْكَرُ هَذَا فِي الْكِتَابِ لِيُتَحَرَّزَ الْقَاضِي عَنْ خِلَافِ شَرْطِهِ.

قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ فَجَعَلَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ صَرَفَهُ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءُ لَا يُعْتَبَرُ بِالِابْتِدَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، وَلَا تَمْنَعُ الْبَقَاءَ وَالْإِبَاقُ فِي الْمَبِيعِ كَذَلِكَ. فَإِذَا ذَكَرَ هَذَا فِي كِتَابِهِ وَجَبَ عَلَيَّ الْقَاضِي، مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: ١٨١] وَكَوْنُهُ فِي يَدِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ أَنْفَعُ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يُبْطِلَ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَقْفَهُ وَنَقْضَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُتَحَرَّزَ مِنْ ذَلِكَ.

وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكْتُبَ فِي صَكِّهِ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ، أَوْ غَيْرُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه فَهَذِهِ الْأَرْضُ بِأَصْلِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا وَصِيَّةٌ مِنْ مَالِ فُلَانٍ تُبَاعُ فَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى مَنْ سَمَّيْنَا فِي كِتَابِنَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُبْطِلُ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>