خُصُومَةِ وَارِثٍ، أَوْ غَرِيمٍ لِاتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِمَا يَذْكُرُهُ الْمُوقِفُ فَلَا يَشْتَغِلُ أَحَدٌ بِإِبْطَالِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ إثْبَاتُ الْخِلَافَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَلِيقُ بِهِ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُوقِفَ بَعْدَ إتْمَامِ الْوَقْفِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي يُخَاصِمُ فِيهِ إلَى قَاضٍ يَرَى إجَازَتَهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ إبْطَالَهُ حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِإِجَازَتِهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَنْ اجْتِهَادٍ فِي مَجْلِسِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إجَازَتُهُ فِي نُسْخَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَيُشْهِدَ الشُّهُودَ عَلَى ذَلِكَ وَيَكْتُبَ ذَلِكَ فِي آخِرِ صَكِّ الْوَقْفِ، وَاَلَّذِي جَرَى الرَّسْمُ بِهِ الْآنَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ إقْرَارَ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ فَإِقْرَارُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ الَّذِي يَرَى إبْطَالَهُ وَرُبَّمَا يَكْتُبُونَ، وَقَدْ رَفَعَ هَذَا إلَى قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ. وَهَذَا كَذِبٌ إنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَ إلَى أَحَدٍ، وَلَا رُخْصَةَ فِي الْكَذِبِ.
وَالْمَقْصُودُ لَا يَتِمُّ بِهِ أَيْضًا فَرُبَّمَا يَذْهَبُ اجْتِهَادُ قَاضٍ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ وَالْإِجَارَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تُعْتَبَرُ فَإِنَّمَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ بِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى تَجْهِيزِ الرَّجُلِ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالنَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي صَكٍّ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَإِنَّهُ جِهَادٌ بِالْمَالِ وَالْجِهَادُ سَنَامُ الدِّينِ وَهَذِهِ جِهَةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهَا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ عِصَابَةٍ مِنْ أُمَّتِي الدَّجَّالَ»؛ فَلِهَذَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ فِي الضَّيْعَةِ مَمَالِيكُ وَأَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَوَقَفَهَا بِمَنْ فِيهَا مِنْهُمْ وَسَمَّاهُمْ جَازَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْغَلَّةُ بِعَمَلِهِمْ يَحْصُلُ وَالْوَقْفُ فَإِنْ كَانَ يَخْتَصُّ بِالْعَقَارِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ، وَعَلَى هَذَا آلَاتُ الْحِرَاثَةِ إذَا ذَكَرَهَا فِي الْوَقْفِ يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْوَقْفِ تَبَعًا وَهُوَ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا. وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ مَقْصُودًا، ثُمَّ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ مَقْصُودًا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ.
(وَالْجَوَابُ) الصَّحِيحُ فِيهِ أَنَّ مَا جَرَى الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْوَقْفِ فِيهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ، وَذَلِكَ كَثِيَابِ الْجِنَازَةِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْقُدُورِ وَالْأَوَانِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْمَصَاحِفِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لِلْجِهَادِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَثُمِائَةِ فَرَسٍ مَكْتُوبٌ عَلَى أَفْخَاذِهَا حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْأَصْلُ مَعْرُوفٌ أَنَّ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ، وَلَيْسَ فِي عَيْنِهِ نَصٌّ يُبْطِلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ جَوَّزْنَا الِاسْتِبْضَاعَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ.»
قَالَ (وَإِذَا وَقَفَهَا عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي حَالِ وَقْفِهِ وَمَنْ يَحْدُثُ مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute