للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي حَيَاةِ فُلَانٍ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ فَهُوَ جَائِزٌ) وَعَلَى هَذَا أَصْلُ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُ لَوْ شَرَطَ بَعْضَ الْغَلَّةِ لِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ جَازَ فَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَاشْتِرَاطُهُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاشْتِرَاطِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ هَذَا الشَّرْطِ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ وَاشْتِرَاطُهُ لَهُنَّ كَاشْتِرَاطِهِ لِسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَأَصْلُ الْوَقْفِ إذَا قَالَ فِي حَيَاتِي، وَبَعْدَ مَمَاتِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ، وَكَذَلِكَ إنْ سَمَّى فِي ذَلِكَ لِمُدَبَّرِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِمَوْتِهِ كَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِنَّ مَا دُمْنَ فِي بَيْتِهِ مَشْغُولَاتٍ بِخِدْمَةِ أَوْلَادِهِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالتَّزَوُّجِ، أَوْ مَقْصُودُهُ مِنْ ذَلِكَ التَّحَرُّزُ عَنْ ضَيَاعِهِنَّ لِعَجْزِهِنَّ عَنْ التَّكَسُّبِ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْهُنَّ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا؛ فَلِهَذَا قَالَ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ.

قَالَ (فَإِنْ جَعَلَ الرَّأْيَ فِي تَوْزِيعِ الْغَلَّةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ الْقَرَابَةِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إلَى الْقَيِّمِ جَازَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْقَيِّمِ قَائِمٌ مَقَامَ رَأْيِهِ وَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ التَّفْضِيلِ عِنْدَ الْوَقْفِ رَأْيًا فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْقَيِّمِ بَعْدَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَصَارِفَ تَتَفَاوَتُ فِي الْحَاجَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَلَّةُ مَصْرُوفَةً إلَى الْمُحْتَاجِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ وَالصَّرْفُ إلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ إذَا اسْتَغْنَى الْبَعْضُ عَنْهُ؛ فَلِهَذَا جُوِّزَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّأْيَ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَيِّمِ، وَإِنْ كَتَبَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَجَوَارِيهِ اللَّاتِي جُعِلْنَ حَرَائِرَ بَعْدَ مَوْتِهِ كِتَابًا أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِنَّ فِي حَيَاتِهِ وَجَعَلَ لَهُنَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ سُكْنَى مَنَازِلَ وَسَمَّاهُنَّ وَبَيَّنَ حُدُودَهَا وَمَوَاضِعَهَا تَسْكُنُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهَا مَا عَاشَتْ وَأَيُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تَزَوَّجَتْ. أَوْ خَرَجَتْ مُنْتَقِلَةً إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي السُّكْنَى وَنَصِيبُهَا مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ بَقِيَتْ مِنْهُنَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ اعْتِبَارًا لِلسُّكْنَى بِالْغَلَّةِ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تَدُلُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ.

وَإِذَا صَحَّ مِنْهُ هَذَا الشَّرْطُ لَهُنَّ فِي الْغَلَّةِ. فَكَذَلِكَ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ اتِّصَالُ حَاجَتِهِنَّ إلَيْهِنَّ لِكَيْ لَا يَضِعْنَ بَعْدَهُ وَرُبَّمَا تَكُونُ حَاجَتُهُنَّ إلَى السُّكْنَى دُونَ الْغَلَّةِ، وَقَدْ أَعْطَاهُنَّ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِنَّ، وَإِنَّمَا وَضَعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَاتِ يَرْجِعْنَ إلَى قَرَابَاتِهِنَّ، وَلَا قَرَابَةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْمَسَائِلَ فِيهِنَّ.

قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>