أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -)، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَشْكُلُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ فَعِنْدَ التَّفْصِيلِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ لِهَذَا، وَالنِّصْفِ لِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ حَالَةُ التَّفْصِيلِ مَتَى كَانَتْ لَا تُخَالِفُ حَالَةَ الْإِجْمَالِ فَالتَّفْصِيلُ لَغْوٌ، وَمَتَى كَانَتْ تُخَالِفُ حَالَةَ الْإِجْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مُعْتَبَرٌ لِفَائِدَتِهِ لِعَيْنِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يُعْتَبَرُ، وَإِذَا نُصَفّ بَيْنَهُمَا فَالتَّفْصِيلُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَالَ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِجْمَالِ أَنْ يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، فَلَا يُعْتَبَرُ تَفْصِيلُهُ، وَإِذَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا فَالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ الْإِجْمَالَ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ بِتَفَرُّقِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ فِي جُزْءٍ شَائِع عَلَى حِدَةٍ، وَقَاسَ الرَّهْنَ، فَإِنَّهُ لَوْ رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا: يَجُوزُ، وَإِذَا فَصَلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِالتَّفْصِيلِ يَتَفَرَّقُ الْعَقْدُ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَسْتَوِي إنْ فَصْلَ، أَوْ سَوَّى فِي التَّفْصِيلِ لِمُخَالِفَةِ حَالَةِ التَّفْصِيلِ حَالَةَ الْإِجْمَالِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّ عِنْدَ الْإِجْمَالِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَ التَّفْصِيلِ: لَا يَثْبُتُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْعَقْدُ وَالتَّسْلِيمُ مِنْ الْوَاهِبِ جُمْلَةٌ وَإِنْ فُصِّلَ وَفُصِّلَ: يَجُوزُ إذَا أَطْلَقَ أَوْ سَوَّى فِي التَّفْصِيلِ، وَهَذَا لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْهِبَةِ كَالتَّفْصِيلِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِرَجُلَيْنِ عَيْنًا لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ فَرَّقَ الْعَقْد. وَالثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى كَانَ جُمْلَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
فَبِالتَّفْصِيلِ لَا يَتَفَرَّقُ فِي عُقُودِ التَّمَلُّكَاتِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ رَجُلًا لَوْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي أَحَدِهِمَا: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَبِلَ فِيهِمَا ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مَا نَقَدَ ثَمَنَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَصْلَ، وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنَهُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ بِالتَّفْصِيلِ لَا يَتَفَرَّقُ الْعَقْدَ. فَالشُّيُوعُ بِاعْتِبَارِهِ لَا يُفَرَّقُ الْعَقْد، وَإِنَّمَا يَكُونُ طَارِئًا بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّر فِي الْمَنْعِ مِنْ الْهِبَةِ فَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَالْمَانِعُ تَمَكُّنُ الشُّيُوعِ فِي الْمَحِلِّ فِيمَا هُوَ مُوجِب الْعَقْد، وَهُوَ الْحَبْسُ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّفْقَةُ وَاحِدَةً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ عَيْنًا بِدَيْنَيْنِ نِصْفَهُ بِأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ وَنِصْفُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ: لَا يَجُوزُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتهُ لِتَمَكُّنِ الشُّيُوعِ فِيمَا هُوَ مُوجِب الْعَقْد، وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ، وَالتَّسْلِيم لَاقَى جُزْءًا شَائِعًا، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute