وَإِضَافَةُ عَقْدِ التَّمْلِيكِ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ لَغْوٌ. (فَإِنْ قِيلَ): لَا، كَذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَام صَحِيحٌ (قُلْنَا): الْوَصِيَّةُ لَيْسَتْ بِعَقْدِ تَمْلِيكِ مَالٍ، وَإِنَّمَا شُرِّعَتْ لِلْخِلَافَةِ عَنْ الْمُوصِي ثُمَّ الْمِلْكُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ، وَهُنَا الْعَقْدُ عَقْدُ التَّمْلِيكِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِيَعْتَبِرُوا الْمِلْك لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ، وَبِهِ فَارَقَ مَا سَبَقَ مِنْ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْحَيَوَانِ، فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِتَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ الْجِزَازُ، وَالْحَلْبُ، وَالْقَبْضُ فِي اللَّبَنِ فِي وُسْعِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَل فِيهِ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ ثُمَّ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْإِيجَابُ فِي الثِّمَارِ لَيْسَ إلَيْهِ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لَهُ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ - وَهِيَ حُبْلَى - أَوْ مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهِ؛ فَهُوَ بَاطِلٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ: إنْ أَمَرَهُ بِقَبْضِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَقَبَضَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ - اسْتِحْسَانًا - كَمَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَلَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ إخْرَاجَ الْوَلَدِ مِنْ الْبَطْنِ لَيْسَ إلَيْهِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي ذَلِكَ نَائِبًا عَنْ الْوَاهِبِ بِخِلَافِ الْجِزَازِ فِي الصُّوفِ، وَالْحَلْبِ فِي اللَّبَنِ، وَمَعْنَى هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّ فِيمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ - لَوْ جَازَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ - كَانَ تَعْلِيقًا لِلْهِبَةِ بِالْخَطَرِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَمَا فِي وُسْعِهِ يَكُونُ تَأْخِيرًا لِمِلْكِهِ إلَى قَبْضِهِ لَا تَعْلِيقًا لِلْهِبَةِ بِالْخَطَرِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ.
قَالَ: (وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ثُمَّ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ: جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ، فَإِنْ بَاعَهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَتَهُ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ، وَلَوْ وَهَبَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا: جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ.
أَمَّا مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ مَا فِي الْبَطْنِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ مِنْهَا) لَا يُجَوَّز أَصْل التَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْأَمْرِ دُخُولُ الْوَلَدِ فِيهِ، وَاسْتِثْنَاءُ مُوجِبِ الْعَقْدِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ يُبْطِلُهُ، (وَقِسْمٌ مِنْهَا) يُجَوَّزُ التَّصَرُّف، وَيُبْطِلُ الشَّرْط وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُبْطِلُ هَذِهِ الْعُقُودَ بَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الرُّقْبَى. (وَقِسْمٌ) يُجَوِّزُ التَّصَرُّفَ وَالِاسْتِثْنَاءَ جَمِيعًا، وَهُوَ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ مَا فِي الْبَطْنِ كَأَنَّهُ شَخْصٌ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى يَجُوزَ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ فِي الْبَيْعِ لَوْ اسْتَثْنَى مَا فِي الْبَطْنِ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُسْتَثْنًى حُكْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute