الْمَعْدُوم، فَإِنَّ الدُّهْنَ حَادِثٌ بِالْعَصِيرِ، وَالدَّقِيقَ بِالطَّحْنِ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّحْنِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالدَّقِيق غَيْر الْحِنْطَةِ، وَكَوْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُثَنًّى فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُسْتَحِيلٌ؛ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَعْدُومِ، وَكَانَ لَغْوًا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُهُ، وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ لِلْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِ الشَّاةِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِهَا. وَهَذَا غَلَطٌ فَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي الْحَلْبِ، وَالْجَزّ، وَقَبَضَ ذَلِكَ: جَازَ - اسْتِحْسَانًا - وَبِمَا بَيَّنَّا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نِصْفَ عَبْدٍ، أَوْ ثُلُثَهُ، وَسَلَّمَهُ: جَازَ)؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَسِّمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ صَحِيحَةٌ فَإِذَا وَهَبَ جُزْءًا مُسَمًّى، وَسَلَّمَهُ بِالتَّخْلِيَةِ: جَازَ؛ وَهَذَا
لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إلَى إيجَابِ التَّبَرُّعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ
فَلَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ لِإِبْطَالِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ فِيهِ التَّصَرُّفُ إلَى الْقِسْمَةِ، وَلَا يَبْطُلُ أَصْلًا، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّرُورَةُ.
قَالَ: (وَإِنْ وَهَبَ عَبْدَهُ لِرَجُلَيْنِ أَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ، أَوْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَسَلَّمَهُ فَهُوَ جَائِزٌ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْلُومٌ، وَلَا أَثَرَ فِي الشُّيُوعِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْهِبَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِرَجُلٍ: قَدْ وَهَبْت لَك نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْعَبْدِ فَاقْبِضْهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ لَهُ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ إيَّاهُ: لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ الْمَوْهُوبِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْمَجْهُول لَا يَجُوز تَمْلِيكه بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ قَصْدًا.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ نِصْفَ عَبْدَيْنِ، أَوْ نِصْفَ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ نِصْفَ عَشَرَةِ أَثْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ نَمَطِيٍّ، وَمَرْوِيٍّ، وَهَرَوِيٍّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: جَازَ)؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الثِّيَابِ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً فَكَانَ وَاهِبًا لِنَصِيبِهِ مِنْ نِصْفِ كُلِّ ثَوْبٍ، وَكُلُّ ثَوْبٍ لَيْسَ بِمُحْتَمِلٍ لِلْقِسْمَةِ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ إلَّا مَقْسُومًا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَالدَّوَابُّ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا وَهَبَ النِّصْفَ مُشَاعًا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
قَالَ: (وَإِنْ وَهَبَ نَصِيبًا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ طَرِيقٍ، أَوْ حَمَّامٍ، وَسُمِّيَ وَسَلَّطَهُ: فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلْقِسْمَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قُسِمَ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا هُوَ صِفَةُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ.
قَالَ: (وَلَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِهِ لِرَجُلٍ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ وَهَبَ نِصْفَهَا الْآخَرَ لِرَجُلٍ: لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ لَوْ تَمَّ إنَّمَا يَتِمُّ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute