الثَّلَاثَةِ، وَخَاصَمَهُ فِي الرَّدِّ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي حَقَّهُ؛ لِلْحُمَّى، ثُمَّ أَقْلَعَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّهُ فِي الْخِيَارِ بِعَرْضِ السُّقُوطِ، حَتَّى يَسْقُطَ بِإِسْقَاطِهِ؛ فَكَذَلِكَ يَسْقُطُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَهُنَا: حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَيْسَ بِعَرْضِ السُّقُوطِ؛ حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِإِسْقَاطِهِ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَا يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ حَقّهُ فِي الرُّجُوعِ، وَلَكِنْ يَكُفُّ عَنْ الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، وَحَقُّهُ قَائِمٌ، وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. يُوَضِّحُهُ: أَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ لِلْفَسْخِ عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ، فَبِقَضَائِهِ يَصِيرُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ اللُّزُومِ تَلِيقُ بِالْبَيْعِ، وَهُنَا: السَّبَبُ: كَوْنُ الْعَقْدِ تَبَرُّعًا، وَيُمْكِنُ الْخَلَلُ فِي مَقْصُودِهِ، وَهُوَ الْعِوَضُ، وَبِقَضَائِهِ لَا يَرْتَفِعُ هَذَا السَّبَبُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا زَالَ الْمَانِعُ.
قَالَ: (رَجُلَانِ وَهَبَا لِرَجُلٍ عَبْدًا، وَقَبَضَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي حِصَّتِهِ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ: فَلَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَاشِرٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ - كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِبَةِ نَصِيبِهِ -.
قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: أَنَا أَخُوك، أَوْ قَالَ: قَدْ عَوَّضْتُك، أَوْ قَالَ: إنَّمَا تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيَّ، وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ)؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُثْبِتَ لِحَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ ظَاهِرٌ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَدَّعِي الْمَانِعَ؛ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، ثُمَّ إذَا قَالَ: " تَصَدَّقْت عَلَيَّ " فَالتَّمْلِيكُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ اتِّفَاقُهُمَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُمَلَّكِ فِي بَيَانِ سَبَبِ التَّمْلِيكِ، وَإِذَا قَالَ: " عَوَّضْتُك " فَهُوَ يَدَّعِي تَسْلِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ. وَإِذَا قَالَ: أَنَا أَخُوك فَالْأُخُوَّة لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْد الْوَاهِب الْعِوَض.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ خَادِمَةً فَقَالَ: وَهَبْتهَا لِي، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَكَبِرَتْ عِنْدِي، وَازْدَادَتْ خَيْرًا، وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ - عِنْدَنَا -)، وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا فِي الْحَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ أَرْضًا، وَفِيهَا بِنَاءٌ، أَوْ شَجَرٌ، وَقَالَ الْوَاهِبُ: وَهَبْتهَا لَك، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا شَجَرٌ حِينَ وَهَبْتهَا: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَوْهُوبُ لَهُ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا فِي الْهِبَةِ، وَالْهِبَةُ حَادِثَةٌ، فَمَنْ يَدَّعِي فِيهَا تَارِيخًا سَابِقًا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحَجَّةٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَحَقُّ الْوَاهِبِ ثَابِتٌ فِي عَيْنِهَا - بِاتِّفَاقِهِمَا - فَكَأَنَّ الْمَوْهُوب لَهُ يَدَّعِي انْتِفَاءَ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ - مِثْلَ السِّمَنِ وَالْكِبَرِ - بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ يُنْكِرُ تَمَلُّكَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ، وَثُبُوتُ حَقِّهِ فِيهِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْبِنَاءَ مِنْ وَجْهٍ أَصْلٌ، حَتَّى يَجُوزَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute