فَالظَّاهِرُ فِيهِ شَاهِدٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَ الْوَاهِبِ، وَالسِّمَنُ وَالْكِبَرُ وَصْفٌ، وَهُوَ بَيْعٌ مَحْضٌ، وَثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الْبَيْعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَاهِبِ. وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَوْ وَهَبَ لَهُ عَبْدًا، فَعَلَّمَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْكِتَابَةَ أَوْ الْخَبْزَ؛ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي عَيْنِ الْمَوْهُوبِ، فَهُوَ كَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ بِتَغْيِيرِ السِّعْرِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَعَلُّمُ الْكِتَابَةِ وَالْخَبْزِ مَعْنِيٌّ فِي الْعَبْدِ تَزْدَادُ بِهِ مَالِيَّتُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّمْنِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ السِّعْرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى كَثْرَةِ الرَّغَائِبِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنِيٌّ فِي الْعَيْنِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ صِفَةَ الْكِتَابَةِ وَالْخُبْزِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِلْمُشْتَرِي بِالشَّرْطِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ صِفَةِ السَّلَامَةِ عِنْدَ إطْلَاق الْعَقْدِ. فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَصْفٌ فِي الْعَيْنِ، وَكُلُّ شَيْءٍ زَادَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ - نَحْوَ الثَّوْبِ يَصْبُغُهُ، وَالسَّوِيق يَلُتُّهُ، وَالثَّوْبِ يَخِيطُهُ - فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ: فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاهِبِ بِمَنْزِلَةِ الْكِبَرِ فِي الْخَادِمِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ - مِنْ زَوْجٍ أَوْ فُجُورٍ - فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا دُونَ الْوَلَدِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ، وَحَقُّ الرُّجُوعِ مَقْصُورٌ عَلَى عَيْنِ الْمَوْهُوبِ، وَالْوِلَادَةُ فِي الْجَارِيَةِ نُقْصَانٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النُّقْصَانَ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لَيْسَتْ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَاكَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الزِّيَادَةِ، لِيَرْجِعَ فِيهَا، وَهُنَا: الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ؛ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّ بَعْدَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ هُنَاكَ لَوْ رَدَّ الْأَصْلَ رَدَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيُسَلِّمُ لَهُ الْوَلَد مَجَّانًا بِحُكْمِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ رِبًا، وَفِي الْهِبَةِ يُسَلِّمُ لَهُ الْوَلَد مَجَّانًا، وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ سَالِمًا لَهُ مَجَّانًا. قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ، وَهِيَ حُبْلَى، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ ازْدَادَتْ خَيْرًا: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ ازْدَادَتْ شَرًّا: فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا). وَالْجَوَارِي فِي هَذَا تَخْتَلِفُ فَمِنْهُنَّ مَنْ إذَا حُبِّلَتْ سَمِنَتْ وَحَسُنَ لَوْنُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي عَيْنِهَا فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ. وَمِنْهُنَّ مَنْ إذَا حَبِلَتْ اصْفَرَّ لَوْنُهَا، وَرَقَّ سَاقُهَا؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِيهَا؛ فَلَا يَمْنَعُ حَقّ الْوَاهِبِ مِنْ الرُّجُوعِ.
قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ جَارِيَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا، فَعَوَّضَهُ الْوَلَد عَنْهُمَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَاهِبِ فِي الْوَلَدِ؛ فَهُوَ كَسَائِرِ أَمْلَاك الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي صَلَاحِيَّة الْعِوَضِ. فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْهُمَا، وَرَضِيَ بِهِ الْوَاهِبُ، فَقَدْ تَمَّ مَقْصُودُهُ.
قَالَ: (وَإِنْ وَهَبَ لَهُ حَدِيدًا فَضَرَبَ مِنْهُ سَيْفًا أَوْ غَزْلًا، فَنَسَجَهُ، أَوْ وَهَبَ لَهُ دَفَاتِرَ، فَكَتَبَ فِيهَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا)؛ إمَّا لِتَبَدُّلِ الْعَيْن، أَوْ لِلزِّيَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute