الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلْفَضْلِ وَقَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِهِ نَسِيئَةً هَذَا غَيْرُ مَجْرِيٍّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ مَا يُجْعَلُ مُسْلَمًا فِيهِ يَصِيرُ مَضْبُوطًا بِالْوَصْفِ عَلَى وَجْهٍ يَلْتَحِقُ بِذِكْرِ الْوَصْفِ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي جَوْهَرَةٍ أَوْ دُرَّةٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ هَذَا مَجْرِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ بِبَيْعِ النَّجِيبَةِ بِالْإِبِلِ وَالْفَرَسِ بِالْأَفْرَاسِ يَدًا بِيَدٍ» وَقَوْلُهُ: لَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً هُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَنَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ يَجُوزُ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ هَرَوِيًّا فِي مَرْوِيٍّ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ فَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْأَصْلُ فَالْكُلُّ عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ تَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ يَجْعَلُ الْهَرَوِيَّ وَالْمَرْوِيَّ جِنْسًا وَاحِدًا وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ أَيْضًا أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ.
لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَطَفَ الشَّعِيرَ عَلَى الْحِنْطَةِ ثُمَّ قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا النَّوْعَانِ فَكَذَلِكَ) بَيَانٌ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَكَذَلِكَ الْمَصْنُوعُ مِنْ أَصْلٍ لَا يَكُونُ جِنْسًا لِلْأَصْلِ كَالْقُطْنِ مَعَ الثَّوْبِ فَكَيْفَ يَكُونُ جِنْسًا لِمَصْنُوعٍ آخَرَ عَلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ بِاتِّحَادِ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ وَبِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ لَا تَنْعَدِمُ الْمُجَانَسَةُ أَيْضًا كَمَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَالْحِنْطَةُ الْعَفِنَةُ مَعَ الْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ السَّقْيُ مَعَ التَّجَنُّبِيِّ وَالْفَارِسِيِّ مَعَ الدَّقَلِ فِي التَّمْرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْوَصْفِ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّمَا بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى مَا قُلْنَا إنَّ الْجِنْسِيَّةَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَّزَ جَيْشًا فَفَرَّتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا يُقَالُ لَهُ: عُصْفُورٌ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بَاعَ بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ إلَى أَجَلٍ وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ جَمَعَ بَيْنَ بَدَلَيْنِ لَوْ قُوبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنْسِهِ عَيْنًا حَلَّ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالْهَرَوِيِّ مَعَ الْمَرْوِيِّ وَتَأْثِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بِاعْتِبَارِ التَّأْجِيلِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي الْمَالِيَّةِ حُكْمًا وَالتَّفَاوُتُ فِي الْمَالِيَّةِ حَقِيقَةً أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ حُكْمًا فَإِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ فِي الْمَالِيَّةِ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute