الْأَمْوَالِ حَقِيقَةً لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْعَقْدِ فَالتَّفَاوُتُ حُكْمًا أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا فِي خَاصٍّ مِنْ الْأَمْوَالِ وَجَعْلِ الْجِنْسِيَّةِ عِلَّةً تُؤُدِّيَ إلَى تَعْمِيمِ حُكْمِ الرِّبَا فِي كُلِّ مَالٍ فَمَا مِنْ مَالٍ إلَّا وَلَهُ جِنْسٌ فَمَا كَانَتْ الْجِنْسِيَّةُ إلَّا نَظِيرَ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ لَا يَجُوزُ جَعْلُ الْمَالِيَّةِ عِلَّةَ الرِّبَا فَكَذَلِكَ الْجِنْسِيَّةُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» وَلَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى النَّسِيئَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ»؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قِيلَ بَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ النَّسِيئَةُ فِي الْبَدَلِ خَاصَّةً
وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَتَفَاهَمُهُ النَّاسُ وَتَأْوِيلُ مَا رَوَوْا مِنْ الْآثَارِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَجْهِيزُ الْجَيْشِ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَقِلُّ الْآلَاتُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِعِزَّتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى بَيْنَ الْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ثَمَّ، قَالَ: (وَإِذَا اخْتَلَفَا النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ) فَقَدْ أَبْقَى رِبَا النَّسَاءِ لِبَقَاءِ مَا هُوَ قَرِيبُهُ وَهُوَ الْجِنْسُ فَكَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى ثُبُوتِ رِبَا النَّسَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِالنَّصِّ ثُمَّ خُصَّ جِنْسُ أَحَدِهِمَا بِحُكْمٍ كَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْآخَرِ كَالرَّجُلِ يَقُولُ اجْعَلْ زَيْدًا وَعَمْرًا فِي الْعَطِيَّةِ سَوَاءً ثُمَّ يَقُولُ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا يَكُونُ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عَمْرًا أَيْضًا دِرْهَمًا وَلَا يَسْتَقِيمُ اعْتِبَارُ رِبَا النَّسَاءِ بِرِبَا الْفَضْلِ لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّ رِبَا النَّسَاءِ أَعَمُّ حَتَّى يَثْبُتَ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ رِبَا الْفَضْلِ وَلَيْسَ الْجِنْسُ كَالْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْمَالِيَّةِ عِلَّةً تُؤُدِّيَ إلَى تَعْمِيمِ الرِّبَا فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَالشَّرْعُ فَصَلَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالِيَّةَ لَيْسَتْ بَعْلَةٍ فِيهِ وَلَيْسَ فِي جَعْلِ الْجِنْسِيَّةِ عِلَّةً تَعْمِيمُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا وَالْقِيَاسُ عَلَى أُصُولٍ تَنْعَدِمُ فِيهَا الْجِنْسِيَّةُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ دَلِيلُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ لَا دَلِيلُ فَسَادِهَا وَلِأَنَّ إسْلَامَ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ يُؤَدِّي إلَى إخْلَاءِ الْعَقْدِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَإِلَى أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ عِوَضًا وَمُعَوَّضًا وَإِلَى فَضْلٍ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ مُسْتَحَقٍّ بِالْبَيْعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ يَرُدُّ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِعَيْنِهِ وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ السَّلَمِ فِي حُكْمِ عَيْنِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَلَوْ جَوَّزْنَا هَذَا الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا شَيْئًا وَيَكُونُ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ عِوَضًا وَمُعَوَّضًا وَإِذَا أَسْلَمَ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فِي ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ لَوْ جَوَّزْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute