لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالِانْقِسَامُ عَلَى الثَّوْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا عَيْنًا.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَيْنِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الظَّاهِرِ فِي الْمَالِيَّةِ مَا دَامَا فِي الذِّمَّةِ وَالِانْقِسَامِ حَالَ كَوْنِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَحِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بِيَقِينٍ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَشَرَةً فِي كُرَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا عَيْنًا فَإِنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَالِيَّةِ إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ فَلِهَذَا كَانَ انْقِسَامُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَإِنْ قَبَضَ الثَّوْبَيْنِ فِي السَّلَمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومَةً بِيَقِينٍ فَبَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ كَالْكُرَّيْنِ وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَلَا تَفَاوَتَ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ فِي أَحَدِهِمَا يَرُدُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَمْسَةً وَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَرَدَّهُ يَرُدُّهُ بِخَمْسَةٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ بِيَقِينٍ فَكَأَنَّهُ سَمَّى ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ اشْتَرَى الثَّوْبَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَلَا يَبِيعُ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا عَيْنًا بِخِلَافِ الْكُرَّيْنِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ اشْتَرَاهُمَا عَيْنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُشْتَرٍ وَالْمُسْلِمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَإِذَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ كَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ لَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ غَيْرَهُ كَانَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ جُعِلَ كَأَنَّهُ عَيْنُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ يُجْعَلُ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ كَأَنَّهُ عَيْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ الطَّرِيقُ لَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ الْقَبْضِ كَأَنَّهُمَا جَدَّدَا ذَلِكَ الْعَقْدَ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِلْقَبْضِ فِي بَابِ السَّلَمِ حُكْمُ عَقْدٍ جَدِيدٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ فِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقَبَضَهُ فَلِمَا حَلَّ الطَّعَامُ فِي السَّلَمِ أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْكُرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا جُعِلَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَأَنَّهُمَا جَدَّدَا الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهُوَ وَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا عَيْنًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ وَقَالَ: فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ كُرَّ الرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَرَاهِمَ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْلِمٌ وَأَسْلَمَ إلَيْهِمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ الْكُرَّ فَأَخْرَجَهُ فَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْكُرِّ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّتِهِمْ فَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute