رَجُلٍ كُرًّا فَقَالَ: لِصَاحِبِ السَّلَمِ كُلُّهُ فَاكْتَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ كَيْلًا وَاحِدًا جَازَ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقْرِضَ لَوْ اسْتَرَدَّ مَا أَقْرَضَ وَلَمْ يَكِلْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَوْ قَبَضَ وَلَمْ يَكِلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبُّ السَّلَمِ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمُقْرِضِ أَوْ الْمُسْتَقْرِضِ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَمَا قَبَضَهُ تَمَّ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ السَّلَمِ فَلِهَذَا يَكْفِيهِ كَيْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَمَّا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ لَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ الْأَوَّلُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كَتَعْيِينِ مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْلًا مُسْتَقْبَلًا
قَالَ: (وَإِنْ تَتَارَكَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَوْبٌ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَارَكَا بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا بِدَرَاهِمَ فَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الشَّيْءُ مِنْ الْمَحِلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَمَحِلُّ الْعَقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَلِهَذَا شَرَطَ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْعَارِضَ مِنْ هَلَاكِ الْمَحِلِّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْإِقَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ (وَالثَّانِي) لَوْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ صَحِيحٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِرَدِّ الْآخَرِ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءُ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ تَبْقَى الْإِقَالَةُ فِي الْقَائِمِ وَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَتُرَدُّ الْقِيمَةُ إذْ الْقِيمَةُ سُمِّيَتْ قِيمَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّرَادِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ لَا تَبْقَى الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا
(وَالثَّالِثُ) السَّلَمُ إذَا تَقَايَلَا وَرَأْسُ الْمَالِ عَيْنٌ فَهَلَكَتْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ صَحِيحٌ فَإِنَّ السَّلَمَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ مَا يُقَابِلُهُ وَإِذَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute