وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ كَالْمُودَعِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي الْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ مَالِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ صَالَحَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ عَلَى عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِأَنَّ الْكَفِيلَ هُنَا مُقْرِضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مُسْلَمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَا يَجِبُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَوُجُوبُ هَذَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ طَعَامَ السَّلَمِ عَلَى الْكَفِيلِ لَا لِلْكَفِيلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقْرِضِ لِمَا أَدَّى مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرْضًا عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَوْ أَجَّلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فِيهِ لَزِمَهُ الْأَجَلُ وَالْأَجَلُ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى السَّلَمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ أَكْفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُتَرَادَّا فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَقِيلَ الْإِقَالَةُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِرَبِّ السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَا رَأْسُ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَفَلَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَهُ وَلَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا تَقَايَلْتُمَا الْعَقْدَ فَأَنَا كَفِيلُ بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ الْكَفَالَةِ فِي شَيْءٍ.
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي بَعْضِ الْأَدْهَانِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَالزِّئْبَقِ وَالْحِنَّا وَغَيْرَهُ يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطٌ بِالْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ قَالَ: هَذَا يَجُوزُ فِي الدُّهْنِ الصَّافِي أَمَّا الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَغَيْرِهِ فَلَا لِأَنَّ الْمُرَبَّى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُرَى بِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالرَّيَاحِينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِإِعْلَامِ قَدْرِ مَا يُؤَدَّى بِهِ. قَالَ: (وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ يُرِيدُ بِهِ الْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا) لِأَنَّ الرِّطْلَ إنَّمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُ الدُّهْنِ بِالْأَمْنَاءِ وَالسَّنَجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَسَّكُ إلَّا فِي وِعَاءٍ وَفِي وَزْنٍ كُلُّ وِعَاءٍ نَوْعُ حَرَجٍ فَاتُّخِذَ الرِّطْلُ لِذَلِكَ تَيْسِيرًا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلُ فَهُوَ مَوْزُونٌ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ
وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ إلَى النَّصْرَانِيِّ فِي خَمْرٍ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ فِي حَقِّنَا فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ خَمْرِ السَّلَمِ بَطَلَ السَّلَمُ وَرَدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute