وَجَدَ الْخَمْرَ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ فَيَجْعَلُ وُجُودَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهَذَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْضُ تَمَلُّكٍ فَإِنَّهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِحُكْمِ عَقَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَمَتَى تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَهُ بَطَلَ مَا بَقِيَ وَجَازَ مَا قَبَضَ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَمَّ فِي الْمَقْبُوضِ فَبِإِسْلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنَّ إسْلَامَهُ يَمْنَعُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ الطَّارِئَ يُلَاقِي الْمُنْتَهِي بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَالْقَائِمَ بِالرَّدِّ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] فَبِنُزُولِ حُكْمِ الرِّبَا إنَّمَا لَزِمَهُمْ تَرْكُ مَا لَمْ يَقْبِضُوا لَا رَدُّ مَا قَبَضُوا مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ النَّصْرَانِيُّ وَالْمُسْلِمُ فِي حُكْمِ السَّلَمِ سَوَاءٌ مَا خَلَا الْخَمْرَ حَتَّى لَا يَجُوزَ السَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِعَجْزِ الْعَاقِدِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِي الشَّاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ وَهُمْ يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ
وَإِذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ مِنْ طَعَامِ الْعِرَاقِ أَوْ الشَّامِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ أَوْ قَرَاحٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِآفَةِ فَأَمَّا طَعَامُ وِلَايَةٍ كَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ عُرْفًا بِآفَةٍ فَإِنَّمَا أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ.
وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الصُّوفِ وَزْنًا لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَرَى كَذَا جَزَّةً بِغَيْرِ وَزْنٍ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الصُّوفِ فِي كُلِّ جَزَّةٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَسْلَمَ فِي صُوفِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِالْهَلَاكِ وَلِأَنَّ تَعَيُّنَ مَحِلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَتَعَيُّنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى ظَهَرِ الشَّاةِ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَلْبَانُهَا وَسُمُونُهَا لَمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِالْحَيَوَانِ فَهِيَ وَصْفٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الْمَالِيَّةُ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا تَكُونُ قَابِلَةً لِلْعَقْدِ مَقْصُودًا وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فِي سَمْنٍ حَدِيثٍ أَوْ زَيْتٍ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَجَعَلَ أَجَلَهُ فِي حِينِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ لِأَنَّهَا الْيَوْمَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute