بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُصُولِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ فَإِنَّ بَيْعَ دُهْنِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَالْجَوْزِ لَيْسَ بِمُقَدَّرِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ جَوْزَةٍ بِجَوْزَتَيْنِ وَلَكِنْ نَقُولُ اللَّحْمُ فِي شِرَاءِ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالْإِسَامَةُ لِيَزْدَادَ عَيْنُهَا بِالسِّمَنِ فَأَمَّا اللَّحْمُ آخَرُ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْحَيَوَانِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ فَقَدْ نَرَى فَرَسَيْنِ أَوْ نَجِيبَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِي اللَّحْمِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَالْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَإِذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ لَا تُعْرَفُ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمَالِيَّةُ هُنَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ نُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا حَتَّى لَوْ أَخَذَ بِضْعَةً مِنْ لَحْمِ الْحَيَوَانِ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَ اللَّحْمِ حَاصِلٌ بِالذَّبْحِ حُكْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْجَوَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا فَإِنَّهُ مَالٌ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْفَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُفَصَّلٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ فَكَانَ الْحَالُ فِيهِمَا قَبْلَ الذَّبْحِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ سَوَاءً وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الشَّاةِ لَا تُعْرَفُ بِمَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ الصُّوفِ وَلَا بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ كَمَا لَا تُعْرَفُ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ
فَإِنْ بَاعَ لَحْمَ شَاةٍ بِالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ جَازَ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَصْلًا لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» وَرُوِيَ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ وَقَالَ: أَعْطَوْنِي بِهَذَا الْعَنَاقِ قِطْعَةً مِنْ هَذَا اللَّحْمِ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْفَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالْبَقَرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً فَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَبِهِ نَقُولُ فَإِنَّ السَّلَمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ الْبَعِيرَ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ فَكَرِهَ أَبُو بَكْرٍ بَيْعَ لَحْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُحِرَ لِيُتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلِهَذَا قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute