لَا يَصْلُحُ
وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ وَذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ صِحَّةَ الْكَيْلِ لَمَّا جَمَعَ الْبَدَلَيْنِ حَرُمَ النَّسَاءُ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ إسْلَامَ الْمَكِيلِ فِي الْمَوْزُونِ صَحِيحٌ وَثُبُوتَ الْحُكْمِ بِحَسْبِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ فَسَادِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَمُدَبَّرًا وَكَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ وُجِدَتْ فِي الْكُلِّ أَمَّا فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ فَظَاهِرٌ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ فَقَدْ جُعِلَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ شَرْطًا فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الزَّيْتِ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِطًا عَلَيْهِ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَوْ قُبِلَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالسَّلَمُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَسَدَ الْعَقْدُ كُلُّهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ فَالْعَقْدُ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَهُ جَازَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ لِحَقِّ الْمُدَبِّرِ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهِ لَا فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ فَالْمُفْسِدُ فَوَّتَ الْقَبْضَ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي الْهَالِكِ لَا فِي الْعَقْدِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُذْكَرُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فَوَهِيَّةً فِي فَوَهِيَّةٍ وَمَرْوِيَّةٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَالْكَيْلِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا دُونَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ فِي الْبَعْضِ تَعَدِّي إلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ غَيْرُ مَجْمَعٍ عَلَيْهِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْفُلُوسَ فِيمَا يُوزَنُ) لِأَنَّ الْفُلُوسَ عَدَدِيَّةٌ مُتَقَارِبَةٌ فَيَجُوزُ إسْلَامُهَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَّا الصُّفْرَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِيهِ لِلْجِنْسِيَّةِ فَالْفُلُوسُ صُفْرٌ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْفُلُوسُ صُفْرًا وَالصُّفْرُ مَوْزُونٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِي الْمَوْزُونَاتِ قُلْتُ الصُّفْرُ مَوْزُونٌ فِي الْعُرْفِ لَا بِالنَّصِّ وَلَا عُرْفَ فِيهِ فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ بِتَفَاوُتِ الْوَزْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوزَنُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا عَادَةً إلَّا فِي الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ السَّيْفِ فِي الْحَدِيدِ لِلْمُجَانَسَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ مِنْ الْوَزْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَهُ فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَّا فِي نَوْعِهِ.
وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute