فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ حَيْضِهَا قُلْنَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَدْرَكَتْ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْقُرْبَانِ لِلزَّوْجِ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وَالِاطِّهَارُ بِالِاغْتِسَالِ.
(وَلَنَا) أَنَّ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ تَيَقَّنَّا خُرُوجَهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَيْضُ لَا وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّاهِرَةَ إذَا كَانَتْ جُنُبًا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَلَوْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَانْقَطَعَ دَمُهَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ حَيْضِهَا فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَاءِ فَرْضِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَكِنَّا نَقُولُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ فَثَبَتَتْ صِفَةُ الطَّهَارَةِ بِهِ شَرْعًا كَمَا ثَبَتَتْ بِالِاغْتِسَالِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ صِفَةِ الْحَيْضِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا
(قَالَ) وَإِذَا كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَزَادَ الدَّمُ عَلَيْهَا فَالزِّيَادَةُ دَمُ حَيْضٍ مَعَهَا إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهَا لَا تَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ تَزْدَادُ تَارَةً وَتَنْقُصُ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِلَافِ طَبْعِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جَعَلْنَاهُ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَيْضِ عَلَى الْإِمْكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا بَلَغَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةً لِلْإِمْكَانِ فَهَذَا كَذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ كَانَ حَيْضُهَا هِيَ الْخَمْسَةَ وَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَيَقَّنَّا فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهَا اسْتِحَاضَةٌ وَتَيَقَّنَّا فِي أَيَّامِهَا بِالْحَيْضِ بَقِيَ التَّرَدُّدُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ إنْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا قَبْلَهُ كَانَ حَيْضًا وَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا بَعْدَهُ كَانَ اسْتِحَاضَةً فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ بِالشَّكِّ وَإِلْحَاقُهُ بِمَا بَعْدَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ الِاسْتِحَاضَةُ مُتَّصِلًا بِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا»
(قَالَ) وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَتَقَدَّمَ حَيْضُهَا بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةٍ فَهِيَ حَائِضٌ اعْتِبَارًا لِلْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ وَمَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَالْمُتَقَدِّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute