وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ ضَمِنَاهُ بِإِفْسَادِ الْعَقْدِ تَحَرَّزَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَكَالَاتِ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَكُونُ كَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْعَقْدِ.
قَالَ (وَأَكْرَهُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ يَعْقِدُ لَهُ السَّلَمَ وَإِنْ فَعَلَهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ الرِّبَا وَعَنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إمَّا لِجَهْلِهِ بِذَلِكَ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَوْ قَصْدِهِ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمَ الْحَرَامَ فَلِهَذَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْتَمِنَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ لَهُ إنْ فَعَلَهُ) لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ
قَالَ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالسِّلْمِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ) لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْمُوَكَّلِ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ يُوَكَّلْ بِالسَّلَمِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَبِتَوْكِيلِهِ حِينَ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاسْتِرْبَاحَ عَامًا وَذَلِكَ بِتِجَارَةٍ حَاضِرَةٍ وَغَائِبَةٍ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِأَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَسْتَعِينَ فِيهِ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ قَالَ لَهُ مَا صَنَعَتْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ أَجَازَ صَنِيعَهُ عَامًا وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صُنْعِهِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إجَازَتِهِ
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ عَقْدُ بَيْعٍ وَلَا يُسَلِّمَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْخَمْرِ وَلَا لِلْكَافِرِ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالِ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْعَاقِدُ عَلَيْهَا سَوَاءً عَقَدَهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِكَافِرٍ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَتَوَكَّلُ عَنْ الْمَجُوسِيِّ فِي أَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبَّرٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَعْتَبِرُ جَانِبَ الْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ هُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ فِي الْعَقْدِ إلَى غَيْرِهِ فَيَعْتَبِرُ جَانِبَهُ
قَالَ (وَإِنْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا أَوْ يُسْلَمَ لَهُ فِيهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ مَعَ ذِمِّيٍّ جَازَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ هَذَا الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ بِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ مَجُوسِيًّا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ نَفِدَ عَقْدُهُ عَلَى الْآمِرِ مَلَكَ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ بِعَقْدِ التِّجَارَةِ وَهَذَا مِنْهُمَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ فَكَأَنَّهُمَا يَقُولَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ طَرَفَانِ طَرَفُ الْعَقْدِ وَطَرَفُ الْمِلْكِ فَكَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا وَكَّلَ بِهِ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لِاعْتِبَارِ طَرَفِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا وَكَّلَ الْكَافِرَ بِهِ لَا يَجُوزُ لِاعْتِبَارِ طَرَفِ الْمِلْكِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالثَّابِتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمَحِلِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا وَجَبَتْ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْعَقْدِ فَلَأَنْ تَجِبَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمِلْكِ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الَّذِي وَلَّى الصَّفْقَةَ هُوَ الْوَكِيلُ وَالْخَمْرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ هَهُنَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْعَقْدُ عَلَى الْخَمْرِ فَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ أَلَا تَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute