للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكُونُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ وَعْدًا مِنْ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْبَيْعُ بِعَقْدٍ مُطْلَقًا وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُطْلَقًا وَوَعَدَتْ لَهَا أَنَّ تُعْتِقَهَا لِتَرْضَى هِيَ بِذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ.

وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِإِعْتَاقِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ أَوْ اسْتِهْلَاكُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا ثَانٍ وَفَّى بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ الْعِتْقِ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ الْحُرْمَةُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: زَالَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَجِبُ الثَّمَنُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ أَسْقَطَهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِفَسَادِ هَذَا الْعَقْدِ كَانَ لِمَخَافَةِ أَنْ لَا يَفِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ وَلِيَكُونَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ مُخْتَارًا غَيْرَ مُجْبَرٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ أَقْدَمَ عَلَى إعْتَاقِهِ مُخْتَارًا، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلَائِمُ الْعَقْدَ بِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنْهِي الْمِلْكَ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي بَنِي آدَمَ ثَابِتٌ إلَى الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ مَنْهِيًّا لَهُ وَإِنْهَاءُ الشَّيْءِ يُقَرِّرُهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُتَمِّمٌ عَلَيْهِ الْعِتْقَ وَهِيَ الْمِلْكُ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُلَائِمًا بِحُكْمِهِ لِلْعَقْدِ وَبِصُورَتِهِ غَيْرُ مُلَائِمٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إنْهَاءِ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ.

وَبِالشَّرْطِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ عَلَى الثَّبَاتِ وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ لِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ دُونَ الْحُكْمِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ تَتَقَرَّرَ صِفَةُ الْجَوَازِ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاءَمَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ إنْهَاءُ الْمِلْكِ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا لِمَعْنَى التَّوَقُّفِ فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَمُخَالَفَةِ صُورَتِهِ مَعْنًى بِخِلَافِ شَرْطِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ فَالْمِلْكُ بِهِ لَا يَنْتَهِي، وَمَعْنَى الْمُلَاءَمَةِ بِاعْتِبَارِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ بِهِ فَلِهَذَا تَتَعَيَّنُ صِفَةُ الْفَسَادِ هُنَاكَ وَفَّى بِالشَّرْطِ أَوْ لَمْ يَفِ

قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَ لَهُ قَرْضًا أَوْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِكَذَا وَكَذَا مِنْ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَاسِدٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ فَالْمُشْتَرِي إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَيْعِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الْمَبِيعِ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>