وَقَبْضُ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْقِيمَةِ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ السَّبَبِ وَتَمَامِهِ، فَإِذَا فَسَدَ السَّبَبُ بَقِيَ الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ كَمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ لِعَدَمِ تَمَامِ السَّبَبِ
قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ إقَالَةً مُعَلَّقَةً لِخَطَرِ عَدَمِ النَّقْدِ، وَلَوْ شَرَطَ إقَالَةً مُطْلَقَةً فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ فَإِذَا شَرَطَ إقَالَةً مُعَلَّقَةً أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْعَقْدُ وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ تَمَّ الْبَيْعُ وَهُنَا لَوْ سَكَتَ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ بَاشَرَ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ كَرِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ قَالَ جُزَافًا، وَالْقِيَاسُ لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَالَ سَمَاعًا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودُ كَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِيَتَرَوَّى النَّظَرَ فِيهِ، وَيَكُونَ مُخَيَّرًا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَتَمَامِهِ، بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَحْصُلُ إلَّا هَذَا الْمَقْصُودُ وَالشَّرْعُ إنَّمَا جَوَّزَ شَرْطَ الْخِيَارِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ حَتَّى قَالَ لِحْيَانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
قَالَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُدْهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ عِنْدَهُ شَرْطَ الْخِيَارِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَأْذُونِ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَخِيرُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ، وَقَوْلُهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَجْهُ قَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ زُفَرُ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَيْسَ نَظِيرَ شَرْطِ الْخِيَارِ وَلَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ نَأْخُذُ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْغَرَرَ يَزْدَادُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَقْدَ لِلْيَسِيرِ مِنْ الْغَرَرِ دُونَ الْكَثِيرِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّا نُجَوِّزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute