للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا فَمَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا بِهَا وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَلَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَلَا فَلَا صَوْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَفِي حَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ يَقُولُ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ تَرْكِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَلِيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ». وَالْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: أَصْلُ الْفَرْضِ الْجُمُعَةُ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ إقَامَتُهَا وَكَانَتْ فَرِيضَةُ الْجُمُعَةِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَفَرِيضَةِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا هُوَ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَلَكِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِ هَذَا الْفَرْضِ بِالْجُمُعَةِ إذَا اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَهَا لِأَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَلَوْ جَعَلْنَا أَصْلَ الْفَرْضِ الْجُمُعَةَ لَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا عَنْ الْجُمُعَةِ عِنْدَ فَوَاتِهَا وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَا تَكُونُ خَلَفًا عَنْ رَكْعَتَيْنِ فَعَلِمْنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ الظُّهْرُ وَلَكِنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِ هَذَا الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ إذَا اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَهَا فَهِيَ تَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ مِنْهَا فِي الْمُصَلِّي وَمِنْهَا فِي غَيْرِهِ

(قَالَ) أَمَّا الشَّرَائِطُ فِي الْمُصَلِّي لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ فَالْإِقَامَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا مُسَافِرٌ وَمَمْلُوكٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَمَرِيضٌ فَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ». وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُسَافِرَ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ وَحُضُورِ الْجُمُعَةِ وَرُبَّمَا لَا يَجِدُ أَحَدًا يَحْفَظُ رَحْلَهُ وَرُبَّمَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَصْحَابِهِ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ أَسْقَطَهَا الشَّرْعُ عَنْهُ وَالْمَمْلُوكُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَيَتَضَرَّرُ مِنْهُ الْمَوْلَى بِتَرْكِ خِدْمَتِهِ وَشُهُودِ الْجُمُعَةِ وَانْتِظَارِهِ الْإِمَامَ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ أَسْقَطَهَا الشَّرْعُ عَنْهُ كَمَا أَسْقَطَ عَنْهُ الْجِهَادَ بِخِلَافِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ حَيْثُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى أَوْ ذَلِكَ الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى عَنْهُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى إذْ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِ وَتَحَمُّلُ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ. (قَالَ): وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ شَرْعًا لِمَا فِي خُرُوجِهَا إلَى مَجْمَعِ الرِّجَالِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْمَرِيضُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِي شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَانْتِظَارِ الْإِمَامِ. وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْأَعْمَى لَا يَلْزَمُهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ السَّعْيِ بِنَفْسِهِ وَيَلْحَقُهُ مِنْ الْحَرَجِ مَا يَلْحَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>