الْمَرِيضَ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَجَدَ قَائِدًا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى السَّعْيِ وَإِنَّمَا لَا يَهْتَدِي إلَى الطَّرِيقِ فَهُوَ كَالضَّالِّ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ إلَى الطَّرِيقِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ لَا شَرَائِطُ الْأَدَاءِ حَتَّى أَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَمْلُوكَ وَالْمَرْأَةَ وَالْمَرِيضَ إذَا شَهِدُوا الْجُمُعَةَ فَأَدَّوْهَا جَازَتْ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كُنَّ النِّسَاءُ يُجْمَعْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ لَهُنَّ لَا تَخْرُجْنَ إلَّا تَفِلَاتٍ أَيْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ» وَلِأَنَّ سُقُوطَ فَرْضِ السَّعْيِ عَنْهُمْ لَا لِمَعْنَى فِي الصَّلَاةِ بَلْ لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ فَإِذَا تَحَمَّلُوا الْتَحَقُوا فِي الْأَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ
(قَالَ) فَأَمَّا الشَّرَائِطُ فِي غَيْرِ الْمُصَلَّى لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ فَسِتَّةٌ الْمِصْرُ وَالْوَقْتُ وَالْخُطْبَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ أَمَّا الْمِصْرُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكُلُّ قَرْيَةٍ سَكَنَهَا أَرْبَعُونَ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا تُقَامُ بِهِمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمَدِينَةِ جُمِّعَتْ بِجُوَاثَى وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ إلَى عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْأَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِجُوَاثَى فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ جَمِّعْ بِهَا وَحَيْثُمَا كُنْت.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حِينَ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى مَا اشْتَغَلُوا بِنَصْبِ الْمَنَابِرِ وَبِنَاءِ الْجَوَامِعِ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمِصْرَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَجُؤَائِي مِصْرٌ بِالْبَحْرَيْنِ وَتَسْمِيَةُ الرَّاوِي إيَّاهَا بِالْقَرْيَةِ لَا يَنْفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ولِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: ٩٢] وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحَيْثُمَا كُنْت أَيْ مِمَّا هُوَ مِثْلُ جِؤَائِي مِنْ الْأَمْصَارِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي بَيَانِ حَدِّ الْمِصْرِ الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَمَكَّنَ كُلُّ صَانِعٍ أَنْ يَعِيشَ بِصَنْعَتِهِ فِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّحَوُّلِ إلَى صَنْعَةٍ أُخْرَى وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّ أَهْلَهَا بِحَيْثُ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا مِصْرٌ جَامِعٌ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا عَلَى مَنْ سَكَنَ الْمِصْرَ وَالْأَرْيَافَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمِصْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمِصْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] الْآيَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ سَكَنَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute