للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي رَدِّهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ بِالْمَوْتِ مَشِيئَتُهُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ صِفَةٌ فَلَا يُحْتَمَلُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُورَثُ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ لَا يُورَثُ كَمِلْكِهِ فِي مَنْكُوحَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُورَثُ مَا كَانَ قَائِمًا وَالْعَقْدُ قَوْلٌ قَدْ مَضَى وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الْإِقَالَةَ لِقِيَامِهِ مُقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يُثْبِتُ وِلَايَةَ الْإِقَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقَالَةَ الْمُوَكِّلِ مَعَ الْبَائِعِ صَحِيحَةٌ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ فِي الْمِلْكِ الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمَّا انْقَطَعَ خِيَارُهُ بِالْمَوْتِ صَارَتْ الْعَيْنُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي وَوَارِثُ الْبَائِعِ لَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الْعَيْنِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ وَالْخِيَارَ مَانِعٌ فَإِذَا سَقَطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلِهَذَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ فَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ يُورَثُ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ يَتَقَرَّرُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَإِذَا طَالَبَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِهِ وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ فُسِخَ الْعَقْدُ لِأَجْلِهِ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْمُشْتَرِيَ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِيَارَ قَدْ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُورَثِ بِأَنْ يَتَغَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَارِثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّرْطُ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَلَا يُمْكِنُ التَّوْرِيثُ لَهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ الْخِيَارُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلْفَسْخِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِدُونِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْخِيَارُ لِيُفْسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ، وَالْمُسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا مَاتَ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ لَيْسَ هُوَ الْفَسْخَ، وَلَكِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حَتَّى إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ فِيمَا هُوَ مَالٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ شَرْطًا فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ مَنْ هِيَ لَهُ كَالْأَجَلِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَبْلَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ فَيَبْطُلُ لِمَوْتِهِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ بِأَنَّ الْأَجَلَ صِفَةُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّ الْمُطَالِبِ وَالْأَجَلُ حَقُّ الْمَطْلُوبِ فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلدَّيْنِ وَفِي إبْقَاءِ الْأَجَلِ فَائِدَةٌ، فَرُبَّمَا لَا يَكُونُ فِي تَرِكَتِهِ مَا بِدَيْنِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِيهَا وَفَاءً بِالدَّيْنِ يَتِمُّ بِغَيْرِ السِّعْرِ أَوْ يَتَصَرَّفُ الْوَارِثُ فِي التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَبْسُطُ فِي التَّرِكَةِ يَدَهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ الْأَجَلُ قَامَ الْوَارِثُ مُقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>