للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوْقَ عِلْمِهِ بِهِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ عَرَفْنَا أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ دَفْعُ صِفَةِ اللُّزُومِ فَيَسْقُطُ، وَلَيْسَ هَذَا كَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الزَّوْجَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ إنَّمَا يَرْفَعُ الْحِلَّ الثَّابِتَ لَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّجْعَةِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ عَلَى حَالِهِ

وَقِيلَ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ: إنَّ فَسْخَهَا لَا يَنْفُذُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا يُسَلَّمُ عَلَى هَذَا وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ هُنَاكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ يَزْدَادُ بِحُرْمَتِهَا، وَدَفْعُهَا زِيَادَةَ الْمِلْكِ يَكُونُ امْتِنَاعًا مِنْ الِالْتِزَامِ لَا إلْزَامَ الْغَيْرِ شَيْئًا، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا الِالْتِزَامِ إلَّا بِرَفْعِ أَصْلِ النِّكَاحِ فَثَبَتَ لَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ النِّكَاحِ لِضَرُورَةِ حَاجَتِهَا إلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ عَنْ نَفْسِهَا، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ بِتَخَيُّرِ الشَّرْعِ إيَّاهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الزَّوْجَ خَيَّرَهَا، فَلِهَذَا صَحَّ اخْتِيَارُهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَهُنَا مَنْ لَهُ الْخِيَارُ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ كَمَا قَرَّرْنَا قَالَ: وَإِنْ اخْتَارَتْ رَدَّهَا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَوْ الْإِجَازَةُ بِقَلْبِهِ كَانَ بَاطِلًا أَيُّهُمَا كَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ نِيَّةٌ وَالنِّيَّةُ بِدُونِ الْعَمَلِ لَا تُثْبِتُ الْفَسْخَ وَلَا الْإِجَازَةَ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ أَصْلُ الْعَقْدِ مِنْهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا»

قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمَا ثَبَتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ أَمِينٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَوُجُوبُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ شَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بِرِضَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْبَائِعُ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إلَّا بِجِهَةِ الْعَقْدِ وَالْمَقْبُوضُ بِجِهَةِ الْعَقْدِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ الْأَصْلِيَّ الثَّابِتَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ مِنْهُ إلَى الثَّمَنِ عِنْدَ تَمَامِ الرِّضَا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَيَبْقَى الضَّمَانُ الْأَصْلِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ سَقَطَ خِيَارُهُ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ كَمَا قَبَضَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَهُوَ قَائِمٌ فَلَزِمَهُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى، وَهُنَا وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَخِيَارُ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعُ فِيهِ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَكَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ كَذَلِكَ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا الْبَائِعُ أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ وَطِأَهَا أَوْ قَبَّلَهَا مِنْ شَهْوَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>