للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَدَلَ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي قَوْلٍ مِثْلِ هَذَا.

وَفِي قَوْلٍ يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْخِيَارُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَقُولُ: إنَّهُ إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خَارِجًا مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْخِيَارَ مَا يَقَعُ بَعْدَمَا انْعَقَدَ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَإِذَا زَالَ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ وَقْتِ السَّبَبِ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ رِضَاهُ، وَبِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَنْعَدِمُ رِضَاهُ بِهِ وَالسَّبَبُ بِدُونِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ عَامِلًا فِي الْحُكْمِ كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ كَمَا فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ وَهَذَا مَعْنَى مَا يَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْأَصْلِ يَسْرِي إلَى الزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ لِكَوْنِهَا مَحِلًّا لَهُ فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ يَثْبُتُ فِي الزَّوَائِدِ، وَأَمَّا الْبَدَلُ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْآخَرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْرُجُ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فَيَتَوَفَّرُ عَلَى الْبَدَلِ الَّذِي فِي جَانِبِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إلَى مِلْكِ الْآخَرِ، وَلِهَذَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ بَقِيَ مَمْلُوكًا بِلَا مَالِكٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ دَارًا وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ كَانَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا لَهَا لَمَا اسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةَ كَخِيَارِ السُّكْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ مَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى الرِّضَا فِيمَا هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَدُخُولُ بَدَلِ صَاحِبِهِ فِي مِلْكِهِ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْبَدَلِ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَخَلَ الْعِوَضُ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمُعَوِّضُ عَنْ مِلْكِهِ اجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ مَعَ كَوْنِهَا بِمَحَلِّ النَّقْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>