بِرُؤْيَةِ طَرَفٍ مِنْهُ عَلَى مَا بَقِيَ فَلَا تَتَفَاوَتُ أَطْرَافُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا يَسِيرًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلِأَنَّ رُؤْيَةَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ يَتَعَذَّرُ.
قَالُوا: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي طَيِّ الثَّوْبِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَإِنْ كَانَ فِي طَيِّ الثَّوْبِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ كَالْعَلَمِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَعْنِي مَوْضِعَ الْعَلَمِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَتَفَاوَتُ بِجِنْسِهِ وَهُوَ نَظِيرُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ رَأَى سَائِرَ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَسَدِهِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرَ وَجْهَهُ
قَالَ: وَلَوْ كَانَ رَآهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ الْحَالِ الَّذِي رَآهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي التَّغَيُّرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَأَمَّا إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً فَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَكَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَرْسَلَ رَسُولًا يَقْبِضُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ وَقَبْضُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَتَاعُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَهُ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا يَقْبِضُهُ فَرَآهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ وَالرَّسُولُ وَالْوَكِيلُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِإِحْرَازِ الْعَيْنِ وَالْحَمْلِ إلَيْهِ وَالنَّقْلِ إلَى ضَمَانِهِ بِفِعْلِهِ ثُمَّ خِيَارُهُ لَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُولِ، فَكَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ وَكَيْفَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ نَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَقَاسَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ بِهِ، فَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: التَّوْكِيلُ بِمُطْلَقِ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ، وَلِأَنَّهُ إتْمَامُ الْقَبْضِ كَالتَّوْكِيلِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ وَلِأَنَّ إتْمَامَهُ وَتَمَامَ الْقَبْضِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ وَالصَّفْقَةُ لَا تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَضْمَنُ التَّوْكِيلَ بِالْقَبْضِ إنَابَةُ الْوَكِيلِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الرُّؤْيَةِ الْمُسْقِطَةِ لِخِيَارِهِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّ الرَّسُولَ لَيْسَ إلَيْهِ إلَّا تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، فَأَمَّا إتْمَامُ مَا أُرْسِلَ بِهِ لَيْسَ إلَيْهِ كَالرَّسُولِ بِالْعَقْدِ لَيْسَ إلَيْهِ مِنْ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ شَيْءٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَثْبَتَ صِفَةَ الرِّسَالَةِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْقَى الْوَكَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: ٦٦] وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute