عَيْبًا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَهُ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَاحْتَجَّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا بَيْعُ غَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ هُوَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَمْنَعُ مُوجِبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْمُعَاوَضَةِ اسْتِحْقَاقُ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَظِيرُ شَرْطٍ يَمْنَعُ الْمِلْكَ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْبَيْعُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدِينَ وَالْتِزَامُ تَسْلِيمِ الْمَجْهُولِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ كَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّى الْعَيْبَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ مَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْعَيْبِ مَعْلُومٌ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ نَحْوَ عَوْدِ الْجِرَاحَةِ أَوْ يَلْحَقُ الْجُرْحَ بِإِعْلَامِهِ نَحْوَ مَا يَكُونُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَغَيْرِ الْمُسَمَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَرَضَ عَلَى إنْسَانٍ وَقَالَ: اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ بَائِعَهُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآبِقٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبَ الْإِبَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ بَائِعَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْتَاعَ مَمْلُوكًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ثُمَّ طَعَنَ فِيهِ بِعَيْبٍ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهُ وَمَا بِهِ عَيْبٌ أَعْلَمُهُ وَكَتَمْتُهُ فَنَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ فَيُسْتَدَلُّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ
وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ فَالشَّافِعِيُّ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ لَنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَالِحَ بَنِي جَذِيمَةَ فَوَادَاهُمْ حَتَّى مِيلَغَةِ الْكَلْبِ وَبَقِيَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ فَقَالَ هَذَا لَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَهُ وَلَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسُرَّ» فَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا إسْقَاطُ حَقٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute