للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ فَيَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ نَفْسَ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ وَلَكِنْ جَهَالَةً تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمْلِيكَيْنِ يَصِحُّ فِي هَذَا وَهَذَا أَضْيَقُ مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ ثُمَّ الْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمْلِيكِ كَجَهَالَةِ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِسْقَاطِ أَوْلَى فَالسُّقُوطُ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ أَوْلَى وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمَجْهُولِ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ فَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دَاخِلٌ عَلَى نَفْسِ السَّبَبِ حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي حُكْمِ تَصَرُّفٍ آخَرَ هُوَ يَمِينٌ.

وَالْجَهَالَةُ تَدْخُلُ عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ فَإِذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَإِذَا كَانَتْ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَتَعَذَّرُ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ هَذَا الشَّرْطُ ثَبَتَ جَوَازُ الْعَقْدِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُقَرِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ اللُّزُومُ، وَالْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ سَلِيمًا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ مَعِيبًا ثُمَّ الْبَائِعُ بِهَذَا الشَّرْطِ يَمْتَنِعُ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَإِذَا كَانَ مَعِيبًا فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ سَلِيمًا وَعِنْدَ هَذَا الشَّرْطِ يَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَبِيعُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا فَسَادَ الْعَقْدِ ثُمَّ لَا يَتَمَكَّنُ جَهَالَةٌ فِي الْمَبِيعِ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ مَعْلُومٌ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ وَإِلَى مَكَانِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الْإِقْرَارَ بِالْعُيُوبِ بِهِ فَلَا يَجْتَمِعُ كُلُّ عَيْبٍ فِي عَيْبٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ الْتِزَامَ الْبَيْعِ وَالْتِزَامَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُشْتَرِيَ بِقَوْلِهِ لَا عَيْبَ بِهِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِإِسْقَاطِ الْعُيُوبِ عَنْهُ بَلْ قَصْدُهُ مِنْ ذَلِكَ تَرْوِيجُ السِّلْعَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَيْسَ بِآبِقٍ فَفِي تَخْصِيصِهِ هَذَا الْعَيْبَ بِالذِّكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ نَفْيُ هَذَا الْعَيْبِ عَنْهُ وَلَئِنْ تَمَكَّنَتْ جَهَالَةٌ فِي وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهِيَ جَهَالَةٌ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ مِقْدَارِ الْعَيْبِ الْمُسَمَّى وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي.

وَقَدْ جَرَتْ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ الدَّوَانِيقِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ بَعْضَ حَرَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَ عَبْدًا بِرَأْسِ ذَكَرِهِ بَرَصٌ أَكَانَ يَلْزَمُهَا أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ مِمَّا صَنَعَ بِهِ فَإِذَا عَرَفْنَا جَوَازَ الْعَقْدِ لِهَذَا الشَّرْطِ قُلْنَا: تَدْخُلُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مَوْجُودٍ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَإِنْ حَدَثَ بَيْعُ عَيْبٍ آخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا تَدْخُلُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فِي هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَيَحْدُثُ أَمْ لَا وَأَيُّ مِقْدَارٍ يَحْدُثُ وَلَوْ صَرَّحَ بِالتَّبَرِّي مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>