أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ أَنَا أَقْبَلُهَا فَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذَا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ رَدُّهَا بِرِضَا الْبَائِعِ فَإِذَا بَاعَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فَبَيْعُهُ إيَّاهَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ هُنَا بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ دُونَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا فَكَأَنَّهُ حَبَسَهَا عِنْدَهُ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ حَتَّى رَأَى بِهِ الْعَيْبَ ثُمَّ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ يَجُوزُ رَدُّهُ إذَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ، وَلَوْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ رَأَى بِهِ الْعَيْبَ فَبَاعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُتَعَذَّرًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ بِصِفَةِ الْخِيَاطَةِ الَّتِي أَحَدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَبَاعَهُ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُتَعَذَّرًا قَبْلَ الْبَيْعِ لِلزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي الثَّوْبِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ نُقْصَانٌ كَالْقَطْعِ فَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِبَيْعِهِ إيَّاهُ فَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ
قَالَ: وَلَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ الْمُشْتَرِي بِزِنًا لَمْ يَرُدَّهَا الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ بِهَا عِنْدَهُ بِالزِّنَا فَالزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ رُدَّهَا عَلَيَّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهَا أَجْنَبِيٌّ فَالْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْأَرْشَ وَالْأَرْشُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ حُكْمًا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ، وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يُوجِبُ إلَّا الْحَدَّ وَوَازَنَ الْأَرْشُ النِّكَاحَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهِ لِمَكَانِ الْمَهْرِ الَّذِي وَجَبَ بِالنِّكَاحِ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ لَمْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهِ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ فَيَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِرَدِّ حِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَكُلُّ عَيْبٍ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ فَعَرَضَهَا بَعْدَمَا رَآهُ عَلَى بَيْعٍ أَوْ وَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ أَجَّرَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ كَاتَبَهَا فَذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهَا عَلَى الْبَيْعِ لِحَاجَتِهِ إلَى ثَمَنِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute