للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنِ الْمَدْفُوعِ إلَى الْبَائِعِ، وَدَلِيلُ الرِّضَا كَصَرِيحِ الرِّضَا، وَأَمَّا الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُتَقَرِّرِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَلَوْ وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ، كَانَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ رِضًا فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَصِرْ هُوَ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَصِيرُ هُوَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ هَذَا التَّصَرُّفَ لِلْغَيْرِ فِيهَا حَقًّا لَازِمًا.

وَذَلِكَ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَالْكِتَابَةُ تُوجِبُ لَهَا حَقًّا لَازِمًا فِي نَفْسِهَا، وَذَلِكَ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ وَدَلِيلُ الرِّضَا فِيمَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ كَصَرِيحِ الرِّضَا

قَالَ: وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ كَانَ هَذَا فِي الْقِيَاسِ رِضًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخْدِمُهَا لِمِلْكِهِ فِيهَا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلُ الرِّضَا وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَقَدْ يَسْتَخْدِمُ الْإِنْسَانُ مِلْكَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا لِلِاخْتِبَارِ أَنَّهَا مَعَ هَذَا الْعَيْبِ هَلْ تَصْلُحُ لِخِدْمَتِهِ أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ اخْتِبَارًا لَا اخْتِيَارًا وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ فَهُوَ رِضًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَقَلَّمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلَ الرِّضَا فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا، غَيْرَ أَنِّي أَسْتَحْسِنُ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَعْلِفَهَا أَوْ لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا رِضًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي رَدِّهَا إلَى سَوْقِهَا، وَرُبَّمَا لَا تَنْقَادُ لَهُ مَا لَمْ يَرْكَبْهَا، وَكَذَلِكَ فِي سَقْيِهَا وَعَلْفِهَا فَالرُّكُوبُ لِأَجْلِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا أَنْ يَرْكَبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ يُسَافِرَ عَلَيْهَا

قَالَ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَوْ وَطِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا وَكَتَمَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ مَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا أَوْ يُؤْثِرُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ وَصِفَةُ الثُّيُوبَةِ لَا يَعُدُّهَا التُّجَّارُ عَيْبًا فَالْجَوَارِي عَلَيْهَا فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِنَّ وَالْبَكَارَةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالشَّرْطِ وَالْوِلَادَةُ كَذَلِكَ، فَالنُّقْصَانُ الْمُمْكِنُ فِيهَا بِسَبَبِهَا يَزُولُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَبَعْدَ زَوَالِهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ فَلَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ يَقُولُ الْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ فَهَذَا فِيهَا عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ كَسْرٌ لَا يَرْتَفِعُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي عُكَنِ بَطْنِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بَعْدَمَا وَطِئَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ نَقَصَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عُرْفُ التُّجَّارِ، وَهُمْ لَا يَعُدُّونَ هَذَا مِنْ الْخِيَانَةِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ لَيْسَ بِمَالٍ وَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ يُلَاقِي

<<  <  ج: ص:  >  >>