أَوْ قَالَ يَرْتَادَانِ أَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ وَسَتَأْتِي الْخُطَبُ اللَّهُ أَكْبَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَنَزَلَ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ. وَلَمَّا أَتَى الْحَجَّاجُ الْعِرَاقَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَارْتُجَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاس قَدْ هَالَنِي كَثْرَةُ رُءُوسِكُمْ وَأَحْدَاقِكُمْ إلَيَّ بِأَعْيُنِكُمْ وَإِنِّي لَا أَجْمَعُ عَلَيْكُمْ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْعَيِّ إنَّ لِي نِعَمًا فِي بَنِي فُلَانَ فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَانْتَهِبُوهَا وَنَزَلَ وَصَلَّى مَعَهُ مَنْ بَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الذِّكْرَ بِهَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالذِّكْرُ يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ شَرْطُ الْكَمَالِ لَا شَرْطُ الْجَوَازِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَتَأَدَّى بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ تَحْتَهَا مَعَانٍ جَمَّةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى قَدْرِ الْخُطْبَةِ وَزِيَادَةٍ وَالْمُتَكَلِّمُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَالذَّاكِرِ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُطْبَةً لَكِنَّهَا وَجِيزَةٌ وَقِصَرُ الْخُطْبَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: طَوِّلُوا الصَّلَاةَ وَقَصِّرُوا الْخُطْبَةَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طُولُ الصَّلَاةِ وَقِصَرُ الْخُطْبَةِ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ حَتَّى إذَا عَطَسَ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى عُطَاسِهِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ مُفَسَّرًا فِي الْأَمَالِي
(قَالَ): وَالْأَذَانُ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ الصَّلَاةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ هَكَذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ إلَى أَنْ أَحْدَثَ النَّاسُ الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِ الْأَذَانِ
(قَالَ): رَجُلٌ ذَكَرَ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَخَافُ فَوْتَ الْجُمُعَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الْجُمُعَةَ وَيَبْدَأَ بِالْفَجْرِ ثُمَّ بِالْجُمُعَةِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا. وَالثَّانِي أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ فَهَذَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ عَنْهُ سَاقِطٌ بِضِيقِ الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ دُونَ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ فَهَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى نَظِيرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظِيرُ الْفَصْلِ الثَّانِي لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْجُمُعَةِ قَدْ صَحَّ وَهُوَ يَخَافُ فَوْتَهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْفَجْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الْعِشَاءَ فِي خِلَالِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَخَافُ طُلُوعَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِشَاءِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يَفُوتُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَفُوتُهُ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ وَهَهُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute