يَفُوتُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْيَوْمِ كَالظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ فِي خِلَالِ الظُّهْرِ وَهُوَ يَخَافُ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَفُوتُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا كَالظُّهْرِ وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ
(قَالَ): رَجُلٌ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ فَوَقَفَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَهَذَا وَاللَّاحِقُ سَوَاءٌ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا فَكَانَ مُقْتَدِيًا فِي الْإِتْمَامِ وَلَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي نَامَ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَلَكِنَّهُ كَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا رَكَعَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْقِيَامِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا امْتِدَادُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَوْ لَمْ يُطَوِّلْ الْقِيَامَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا فَهَذَا مِثْلُهُ
(قَالَ): وَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ فِي الْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
(قَالَ): مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ شُهُودُ الْجُمُعَةِ فِيهِ
(قَالَ): وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَالْجُمُعَةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَفَرْضُهُ الظُّهْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَفَرْضُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَالْكَلَامُ فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَعْذُورِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِ الْأَيَّامِ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّى فِي بَيْتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ وَإِنَّمَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ فِي التَّرَخُّصِ بِتَرْكِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَإِذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ وَالْفَصْلُ الثَّانِي فِي الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَقَدْ أَسَاءَ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ الِاشْتِغَالِ بِالظُّهْرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَوْتُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا صُورَةُ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فَإِذَا أَدَّى الْبَدَلَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُجْزِئُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَوَاتُ الْأَصْلِ بِفَرَاغِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ السُّلْطَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute