للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ اشْتَرَى عَلَى مَا لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ بِعَيْنِهِ وَبَقِيَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ، فَهَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَالرِّبْحُ هُنَاكَ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي هُنَاكَ رِبْحٌ إلَّا عَلَى ضَمَانِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْأَعْيَانِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَكِنْ يَجْعَلُ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي احْتَبَسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ حَتَّى إذَا كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ السِّعْرِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ وَلَيْسَ فِيهِ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَالْفَضْلُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّقْوِيمِ وَالْبَيْعُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْفَضْلُ يَظْهَرُ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ.

وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى فَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ؛ وَلِهَذَا جُعِلَا فِي أَغْلَبِ الْأَحْكَامِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ يُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي شَيْءٍ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَلِأَنَّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ لِأَجْلِ الرِّبَا وَبَابُ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ مَمْلُوكُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ مِنْ وَجْهٍ فَكَسْبُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَهُوَ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِمَكَانِ حَقِّهِ فِي الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدَيْنِ وَمَنْ اشْتَرَاهُ وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>