عِنْدَنَا فَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ فَإِنَّمَا بَطَلَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلَسْنَا نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِ هَذَا الْعَقْدِ بَلْ يُقَرُّ عَلَى مَقْصُودِهِ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مُوجِبُ الشِّرَاءِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَأَمَّا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَلَيْسَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ يَشْتَرِي عَبْدًا مُرْتَدًّا فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الشِّرَاءِ إظْهَارُ ذُلِّ الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْكَافِرِ فَيُخَاصِمُهُ وَيَجُرُّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى.
وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١] مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء: ١٤١] وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَخِفُّ بِهِ فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَيْنِ الشِّرَاءِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ وَكَلَامُنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ أَظْهَرُ فَالْكَافِرُ لَا يَسْتَخِفُّ بِالْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامٌ فَصِيحٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَسْتَخِفُّ بِهِ ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فِي مِلْكِهِ اسْتَخْدَمَهُ قَهْرًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَفِيهِ ذُلٌّ فَيُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الذُّلِّ، وَذَلِكَ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُتْرَكُ لِيَبِيعَهُ مِنْ كَافِرٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ لَوْ بَاعَهُ جَازَ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُهُ كَمَا يَجِبْ تَعْظِيمُهُ وَإِذَا تُرِكَ فِي مِلْكِهِ يَمَسُّهُ، وَهُوَ نَجِسٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] فَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ مَمْلُوكُ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَعَلَّهُ يُسْلِمُ فَيَتْرُكَ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبِي فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَيَجُوزُ إزَالَتُهُ مَجَّانًا عِنْدَ إبَانَةِ الْإِسْلَامِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَرَمٌ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ مَجَّانًا وَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَالِيَّةَ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ.
وَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ أَمَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَوَلَدُهُ مِنْهَا صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ وَوَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute