الْبَيْعُ بِإِجْبَارِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا أَجْبَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكَ الظَّاهِرَ لَهُ حِينَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا يَوْمئِذٍ وَلَعَلَّهُ يُسْلِمُ لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ.
وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ لَهَا مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ فَأُجْبِرَتْ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَتْهُ مِنْ زَوْجِهَا وَاشْتَرَاهُ زَوْجُهَا لِوَلَدٍ لَهُ صَغِيرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ، وَهُوَ إزَالَةُ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهَا.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ يَتَامَى مِنْ النَّصَارَى أَسْلَمَ عَبْدٌ لَهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى بَيْعِهِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ، وَهُوَ مِلْكُ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ وَصِيٌّ بَاعَهُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي الْبَيْعِ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ فَفِي الْبَيْعِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَصِيٌّ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُمْ وَصِيًّا فَبَاعَهُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ نَظَرًا مِنْهُ لِلْيَتَامَى فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لِلْيَتَامَى وَمُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى.
قَالَ وَإِذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى عَبْدًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَجْبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَقْضِ عَنْهُ الدَّيْنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ، وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمُكَاتَبٍ نَصْرَانِيٍّ لِمُسْلِمٍ أَسْلَمَ عَبْدُهُ.
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ أَرُدُّهُ تَرَكْتُهُ حَتَّى يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي بِالرَّدِّ حَقَّهُ وَيَدْفَعُ بِهِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ رَدُّهُ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ مِنْهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا يُخَاصِمُ عَنْهُ فِي الْعَيْبِ جَازَ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مَا رَأَى وَلَا رَضِيَ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ فَيَحْلِفَ وَفِي هَذَا الْحُكْمِ يَسْتَوِي الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَاضِي يُحَلِّفُ الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَا رَأَى وَلَا رَضِيَ طَلَبَ الْبَائِعِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِطَلَبِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصُونَ قَضَاءَهُ عَنْ أَسْبَابِ الْخَطَأِ وَلَيْسَ كُلُّ خَصْمٍ يَهْتَدِي إلَى ذَلِكَ لِيَسْأَلَ أَوْ يَتَجَاسَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ حِشْمَةِ الْقَاضِي فَيَحْتَاطُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا رَأَى الْعَيْبَ وَلَا رَضِيَ بِهِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى بَيْعٍ ثُمَّ يَقْضِي بِالرَّدِّ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَإِقْرَارُ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ جَائِزٌ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي جَوَابِ الْخَصْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute