مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ابْنٌ لَهَا فَاخْتَارَ رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُ وَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ لِحَقٍّ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ.
قَالَ وَيُكْرَهُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ التَّاجِرِ مِنْ التَّفْرِيقِ مَا يُكْرَهُ لِلْحُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ وَفِي التَّمَكُّنِ مِنْ بَيْعِهِمَا مَعًا بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّيْنِ وَكَرَاهَةُ التَّفْرِيقِ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَمْلُوكُ وَالْحُرُّ.
وَلَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ مِنْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ غَيْرِ النَّسَبِ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَبِيعُ جَارِيَةً لِي قَدْ أَرْضَعَتْ وَلَدِي فَقَالَ قُلْ مَنْ يَشْتَرِي أُمَّ وَلَدِي، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ وَالْمُصَاهَرَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَرَابَةِ سِوَى الْحُرْمَةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ.
قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَمْلُوكَيْنِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْبَنِي كَرَاهِيَةُ التَّفْرِيقِ.
قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَخَوَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مِنْ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ التَّفْرِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ بِأَمَانٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ لِأَنِّي إنْ لَمْ أَشْتَرِهِ مِنْهُ لَأَعَادَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَشِرَاؤُهُ مِنْهُ أَقْرَبُ إلَى النَّظَرِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّفْرِيقِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَرِهْتُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِمَا وَلَا يُمَكَّنُ أَنْ يَدْخُلَ بِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ فَالْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُخَاطَبٌ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ اكْتِسَابِ سَبَبِ التَّفْرِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِشِرَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى بَيْعِهِمَا بَلْ هُوَ مُمَكَّنٌ مِنْ أَنْ يُدْخِلَهُمَا دَارَ الْحَرْبِ كَمَا كَانَ الْبَائِعُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ مَعَ الصَّغِيرِ كَبِيرَانِ.
وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقَرَابَةِ مِنْ الصَّغِيرِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْخَالَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَالَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute