وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَوَهُّمِ سَبَبِ اشْتِغَالِ الرَّحِمِ فَلَأَنْ يَجِبَ عِنْدَ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِسَبَبِ اشْتِغَالِ رَحِمِهَا أَوْلَى وَلَكِنَّا نَقُولُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ نَظِيرُ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ وُجُوبُ الْعِدَّةِ يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَكَذَلِكَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ حُدُوثِ الْمِلْكِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ عِنْدَ إزَالَةِ الْمِلْكِ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءَ فِي الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمَوْلَى لِصِيَانَةِ مَاءِ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ زَرْعَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا عِنْدَ الشِّرَاءِ فَأَمَّا عِنْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَمَعْنَى صِيَانَةِ مَائِهِ يَحْصُلُ بِإِيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ لَا يَسْتَبْرِئَهَا الْمُشْتَرِي فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا احْتِيَاطًا وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَجْتَزِئَ بِذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ تَبَيُّنَ فَرَاغِ رَحِمِهَا يَحْصُلُ بِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَدَثَ مِلْكُ الْحِلِّ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا.
وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ بَلْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا يُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِيَحْصُلَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَهُنَاكَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَيَحْصُلَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَزْوِيجِهَا وَالْأَحْسَنُ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَظِيفَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَظِيفَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَمَا لَا يَنْقُلُ وَظِيفَةَ النِّكَاحِ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ لَا يَنْقُلُ وَظِيفَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ إلَى النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالْأَمَةِ.
قَالَ: وَإِذَا زَنَتْ أَمَةُ الرَّجُلِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا وَالشَّرْعُ مَا جَعَلَ لِلزَّانِي إلَّا الْحَجَرَ وَلَيْسَ فِي الزِّنَا اسْتِبْرَاءٌ وَلَا عِدَّةٌ وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ صِيَانَةً لِمَاءِ نَفْسِهِ عَنْ الْخَلْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute