للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَاءِ غَيْرِهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا كَانَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ».

قَالَ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا وَسَلَّمَ الْآخَرَ الْبَيْعَ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَيْضَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْ جَمِيعَ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَةِ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَمَةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي وَحَاضَتْ عِنْدَهُ حَيْضَةً ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ إجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَنَا، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا وَيَجْعَلُ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَلْغُو بَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَالِهِ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْفَسْخِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ مِنْ الْعُقُودِ عِنْدَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» فَكَوْنُ بَيْعِ مَا يُقْبَضُ وَلَمْ يُمْلَكْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْلَى وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ صَادَفَ مَحَلًّا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيَلْغُو كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا وَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ يَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَصَرِّفِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ يُوجِبُ إلْغَاءَهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَلْغُو ذَلِكَ وَلَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ أَجَازَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إيجَابِ الْبَائِعِ قَدْ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الثَّمَنِ إذَا أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَهُوَ مَحَلُّ وِلَايَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ لَهُ إجَازَةُ الْبَائِعِ لِانْعِدَامِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَى الْمَحَلِّ يَدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْبَيْعُ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ وِلَايَتُهُ مِلْكًا وَيَدًا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ وَرِثَهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يَنْفُذُ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفُذَ هَذَا الْعَقْدُ مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ بِإِجَازَتِهِ أَوْلَى وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَفَعَ إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>