للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَاتُّ، وَالثَّانِي: أَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إذَا خَلَا عَنْ الْحُكْمِ شَرْعًا فَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ الْحُكْمُ فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَارَةً يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهُنَا الْحُكْمُ يَتَأَخَّرُ إلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَا يَنْعَدِمُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ انْعِدَامَ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ وَفِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ إلَى وُجُودِ الْإِجَازَةِ تَوَفُّرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ مُسْتَنِدًا بِالنَّظَرِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَهُ فَيَكُونُ فِيهِ مَحْضَ مَنْفَعَةٍ لَهُ فَلِهَذَا انْعَقَدَ السَّبَبُ فِي الْحَالِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَهُنَاكَ لَغَا الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا وَلَا يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الصَّبِيِّ امْرَأَتَهُ إنَّمَا لَغَا لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُتَصَرِّفِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِ الصَّبِيِّ وَتَمَيُّزِهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ.

وَمَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا يَنْعَدِمُ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُجْعَلُ أَهْلًا بِاعْتِبَارِهِ وَدَلِيلُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ هَذَا التَّصَرُّفَ وَإِنَّمَا لَغَا لِانْعِدَامِ حُكْمِهِ أَصْلًا فَامْرَأَةُ الصَّبِيِّ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْإِيقَاعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَلَا بِإِيقَاعِهِ فَأَمَّا مَالُ الْغَيْرِ فَمَحَلُّ الْحُكْمِ الْبَيْعُ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الْبَيْعِ عِنْدَ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ لَغْوًا بَلْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِانْعِدَامِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قُدْرَةُ الْعَاقِدِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَاقِدُ مَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ السَّبَبِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْحَادِثِ لَهُ فَحُكْمُ السَّبَبِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَى مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ مَنْ كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِإِزَالَتِهِ فَلَوْ نَفَذَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْحَادِثِ نَفَذَ مَقْصُودًا عَلَى الْحَالِ وَحُكْمُ السَّبَبِ لَيْسَ هَذَا فَأَمَّا عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَهَذَا هُوَ تَأْوِيلُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَرَادَ تَسْلِيمَهُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِينِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسْلِمُهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فِي بَيَانِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَالْمِلْكُ النَّافِذُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَالْحِلِّ يَبْنِي عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَسِبُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتِلْكَ دُونَ الْحَيْضَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَهَذَا أَوْلَى.

وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمَالِكَ لَهَا فَسَلَّمَهَا وَحَاضَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>