للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّ عِنْدَنَا الْبَيْعُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بَعْدَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِيَارٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَيَرْضَى بِهِ صَاحِبُهُ وَلَهُ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي قَوْلَانِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَلَا يَكُونَا مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَجْلِسِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ» وَرَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ الِافْتِرَاقُ عَنْ الْمَجْلِسِ عَلَى مَا يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى هُنَيَّة وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَا يَتَأَيَّدُ بِهِ كَعَقْدِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبْضُ.

وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَالَ مُبْتَذَلٌ تَكْثُرُ الْمُعَامَلَةُ فِيهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إلَّا بَعْدَ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ الْخِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَقَعُ بَغْتَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْخِطْبَةِ وَالْمُرَاوَدَةِ ثُمَّ إنَّمَا تُقَدِّرُ هَذَا الْخِيَارَ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ الْقَبْضَ الْمَوْجُودَ فِي الْمَجْلِسِ كَالْقَبْضِ الْمُقْتَرَنِ بِالْعَقْدِ ثُمَّ حَالَةُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِيجَابِ قَبْلَ الْقَبُولِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى تَمَامِ النَّظَرِ وَالرِّوَايَةِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَقَدْ شَرَطَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُمَا الْوَفَاءُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَالصَّفْقَةُ هِيَ النَّافِذَةُ اللَّازِمَةُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ نَوْعَانِ لَازِمٌ وَغَيْرُ لَازِمٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي كُلِّ بَيْعٍ فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَمُطْلَقُهُ يُوجِبُ اللُّزُومَ بِنَفْسِهِ كَالنِّكَاحِ وَتَأْثِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَقَوَّى بِصِفَةِ الْمُعَاوَضَةِ.

وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَوْتُهُ فِي حُكْمِهِ حَتَّى لَا يَنْفَرِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>