أَحَدُهُمَا بِرَفْعِهِ وَبِهِ فَارَقَ التَّبَرُّعَ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ ثُمَّ لُزُومُ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ تَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِهِ يَلْزَمُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِبَقَائِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْعَقْدُ مَعَ بَقَائِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الرِّضَا وَإِيجَابِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ الشَّرْعُ مَكَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَفْعِ الْعَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الَّذِي تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ لَا يُنْظَرْ لَهُ ثُمَّ الْفَسْخُ ضِدَّ الْعَقْدِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ لَا يَحْصُلُ بِالْفَسْخِ بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ فِي إمْضَاءِ الْعَقْدِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتَ حَقُّ الْفَسْخِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَالٍ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ مَكَّنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ تَحْصِيلَ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلِ وَفِي لُزُومِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ لَا تَفْوِيتُهُ فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَرِوَايَةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَفَتْوَى الرَّاوِي بِخِلَافِ الْحَدِيثِ دَلِيلُ ضَعْفِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إنْ صَحَّ الْمُتَسَاوِمَانِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَهُمَا حَالَةُ التَّشَاغُلِ بِالْعَقْدِ لَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ كَالْمُقَابِلَيْنِ وَالْمُنَاظِرَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ الْخِيَارَ.
أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَا فَسْخَا الْبَيْعَ بِالْإِقَالَةِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ رَأْيُهُمَا فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْنِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَيَقُولُ الْآخَرُ: بِعْتُ وَبِهِ يَتَأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَهَذَا صَحِيحٌ فَهُمَا مُتَبَايِعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِوُجُودِ التَّكَلُّمِ بِالْبَيْعِ مِنْهُمَا وَعَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ شَاءَ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ حَتَّى يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ الْبَائِعُ أَوْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ.
قَالَ: وَإِذَا ارْتَدَّتْ أَمَةٌ لِرَجُلٍ ثُمَّ تَابَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضِ الرِّدَّةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالْحَيْضِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً لَهَا زَوْجٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقْتَ الْقَبْضِ وَهِيَ فَارِغَةٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ عِنْدَ الْقَبْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute