إذْنِ الْبَائِعِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ فَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَسْقُطْ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالسِّرَايَةُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْجِنَايَةِ كَانَتْ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ قَتَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا لَهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا صَارَ مُسْتَرِدًّا لِنِصْفِهِ بِقَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّمَا انْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ هَلَكَ لَا مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ وَلَمْ يُحْدِثْ الْبَائِعُ فِيهِ مَنْعًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ وَهُنَا لَمْ يُجْعَلْ الْبَائِعُ مُسْتَرِدًّا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بِقَطْعِ الْيَدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ التَّخَلِّي بِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ يَصِيرُ قَابِضًا فَبِالْجِنَايَةِ أَيْضًا يَصِيرُ قَابِضًا وَالْبَائِعُ بِالتَّخَلِّي بِالْمَبِيعِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا فَكَذَلِكَ بِالْجِنَايَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ مُمْكِنٌ لَهُ مِنْ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ بِالتَّخَلِّي بِهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَمَّا الْبَائِعُ فَلَيْسَ بِمَالِكٍ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَكَذَلِكَ اسْتِرْدَادُهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ عَمَلُهُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ فِيمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَطْعِهِ يَدَهُ فِي أَنَّهُ بَصِيرٌ قَابِضًا لِجَمِيعِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا أَحَدَثَ فِيهِ وَقَبَضَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِمَا أَحَدَثَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ وَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا رَجُلًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالْمِلْكُ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالتَّزْوِيجُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ صِحَّتُهَا لِأَجْلِ الْغَرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبِقَةِ وَالرَّضِيعَةِ يَجُوزُ فَكَانَ التَّزْوِيجُ نَظِيرَ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ تَزْوِيجُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ مِنْ الرَّاهِنِ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ كَمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ فِيهَا وَالْمُشْتَرِي إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute